الوقت- كشفت وكالة رويترز في تقرير لها الأسبوع الماضي، عن تقديم روسيا طلباً لأمريكا تدعوها للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، الأمر الذي عارضه الأمريكيون، ويبدو أن الروس يحاولون إشراك دول غربية أخرى لإعادة بناء سوريا، حيث قدموا مؤخراً طلباً إلى الفرنسيين. ولقيت الخطة الروسية، التي لم يتم الكشف عنها من قبل، استقبالاً متباطئاً في واشنطن، وقالت واشنطن في وثيقة للرد على الطلب الروسي إن السياسة الأمريكية يمكنها أن تدعم مثل هذه الجهود فقط إذا تم التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الحرب السورية المستمرة منذ سبع سنوات.
وتشير الوثيقة إلى أن الاقتراح أرسله فاليري جيراسيموف رئيس الأركان العامة للجيش الروسي في 19 يوليو تموز إلى الجنرال الأمريكي جوزيف دنفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، وحثّ رئيس أركان الجيش الروسي من خلال قناة سرية، واشنطن على تقديم المساعدات لإعادة إعمار البنية التحتية في سوريا وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وعلى ما يبدو فقد جوبه هذا الطلب برد سلبي من أمريكا.
ووفقًاً لوثيقة الحكومة الأمريكية، التي تلقت وكالة رويترز نسخة منها، فقد استخدمت روسيا قناة اتصال بحذر شديد مع قائد أمريكي بارز لاقتراح مساهمة أمريكا في إعادة بناء سوريا وإعادة اللاجئين إلى بلدهم، وجاء في الوثيقة " جاء في الاقتراح الروسي، أن الحكومة السورية تواجه نقصاً في المعدات والوقود والمواد الأخرى، فضلاً عن الأموال اللازمة لإعادة بناء البلاد من أجل استيعاب النازحين في سوريا"، ويكشف الاقتراح كيف أن روسيا، التي ساعدت في تحوّل كفة الحرب لمصلحة الرئيس بشار الأسد، تضغط الآن على واشنطن وآخرين للمساعدة في إعادة إعمار المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة السورية، ومثل هذا الجهد من شأنه أن يعزز على الأرجح قبضة الأسد على السلطة.
وامتنع مكتب دنفورد عن التعليق على الاتصالات مع جيراسيموف، وقالت المتحدثة الكابتن باولا دون "وفقاً للقواعد المتبعة وافق الجنرالان على إبقاء تفاصيل محادثاتهما سرية"، ولم يرد الكرملين ولا وزارة الدفاع الروسية على طلب للتعليق.
وحسب رويترز، فإن حكومة أمريكا تمتنع عن المشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا وقالت إن العملية يجب أن تتم من خلال إجراء الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة وإجراء انتقال سياسي في سوريا، وقالت الوثيقة التي ركّزت بالأساس على الخطة الروسية بشأن سوريا ”أمريكا لن تساند عودة اللاجئين إلا إذا كانت آمنة وطوعية وبكرامة"، ووفقاً لأحد تقديرات الأمم المتحدة فإن إعادة إعمار سوريا ستتطلب جهوداً هائلة تكلف 250 مليار دولار على الأقل، ويعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أن اعتماد سوريا على المجتمع الدولي من أجل إعادة البناء إضافة إلى وجود قوات أمريكية وقوات تدعمها أمريكا في سوريا يعطي واشنطن موقف الأفضلية فيما يسعى دبلوماسيون لإنهاء الحرب من خلال التفاوض.
وأضافت الوثيقة الأمريكية إن الخطاب الروسي يقترح أيضاً أن تشكّل أمريكا وروسيا مجموعة مشتركة لتمويل تجديد البنية التحتية في سوريا، ومع ذلك، يبدو أن الروس يحاولون إشراك دول غربية أخرى للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، إذ قدّموا مؤخراً ذات الطلب إلى الفرنسيين.
وفي هذا الصدد، شدد رؤساء جمهورية روسيا وفرنسا في مكالمة هاتفية على إعادة إعمار البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية في سوريا وإعادة النازحين إلى البلاد بمساعدة المجتمع الدولي. وفي الواقع، وافقت فرنسا على طلب روسيا للمساعدة في إعادة إعمار سوريا، هذا وقد اشترطت فرنسا مؤخراً ضرورة تنحي بشار الأسد عن السلطة كي تساهم في عملية إعادة إعمار البلاد.
ويمكن القول إن قبول الاقتراح الروسي من قبل فرنسا للمشاركة في إعادة إعمار سوريا بإمكانه الإسهام في مشاركة جهات غربية أخرى في إعادة إعمار البلد، ومن ناحية أخرى، يمكن لفرنسا باعتبارها أول جهة تقبل الطلب الروسي هذا، أن تلعب دور الوسيط لإقناع الجهات الفاعلة الغربية الأخرى، بما في ذلك أمريكا للمشاركة في إعادة الإعمار.
ويبدو أن المحادثات التي دارت الليلة الماضية بين ترامب وماكرون كانت في السياق ذاته، ووفقاً لبيان البيت الأبيض، فقد تباحث الطرفان، بالإضافة إلى إيران، عن سوريا بعد المكالمة الهاتفية التي أجريت بين ماكرون وبوتين، وكتب ترامب صباح يوم السبت على تويتر "لقد أجريت محادثة هاتفية جيدة مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وتحدثنا عن مجموعة متنوعة من القضايا، ولا سيما المسائل الأمنية والتجارية"، وقال البيت الأبيض في بيان بعد فترة قصيرة إن الدولتين تحدثتا على مستوى أوسع حول "مجموعة واسعة من القضايا التجارية والأمنية، بما في ذلك الوضع في إيران وسوريا والشرق الأوسط"، وقال قصر الاليزيه في بيان مقتضب إن ترامب وماكرون تحدثا عن القضية السورية وإيران والاشتباكات بين "إسرائيل" والفلسطينيين. ولم يذكر البيان المناقشات الثنائية حول القضايا التجارية.
ويبدو أن روسيا تسعى من خلال إشراك الدول الغربية، بما في ذلك أمريكا في إعادة بناء سوريا، لإقناعهم بقبول الرئيس بشار الأسد وحل الأزمة السورية، وفي الواقع بما أن المشاركة في إعادة الإعمار ستعود بفائدة اقتصادية كبيرة على المشاركين، فمن الممكن أن تتراجع هذه الدول عن مواقفها السابقة فيما يتعلق بتنحي بشار الأسد، وهذه استراتيجية يبدو أن الروس يتبعونها.