الوقت- تضيق الاحتمالات يوماً بعد يوم حول مستقبل أكراد سوريا نظراً لاقتراب الأزمة من نهايتها بعد أن تمكّن الجيش السوري من فرض سيطرته على أغلبية الأراضي السورية باستثناء منطقتين منطقة الأكراد إحداهما، وهنا يجب ألّا نغفل العامل المؤثر الثاني في هذا المضمار والذي يتمثل بالموقف الدولي من أكراد سوريا، وإلى أي درجة يتماشى معهم في قضية إعلان فيدراليتهم، وهل سيعوّل الأكراد على الأمريكي في المرحلة المقبلة؟!.
ما الجديد اليوم؟!
كنتيجة طبيعية لتطورات الأزمة السورية وجد الأكراد أنه لا بدّ من فتح حوار مع الحكومة السورية، وانطلقت شرارة البداية من مجلس سوريا الديموقراطية الذي أعلن أنه يدرس إنشاء منصّة تمثّل سكان مناطق شمال سوريا استعداداً للحوار مع الحكومة السورية.
جاء ذلك خلال مؤتمر يعقده المجلس في مدينة الطبقة بحضور نحو مئتين وأربعين شخصاً، واعتبر عضو الهيئة الرئاسية لمجلس سوريا الديموقراطية "حكمت حبيب" أن هذه المنصة "ستمثّل كل مناطق الإدارة الذاتية ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية كما ستشمل الرقة ودير الزور ومنبج".
وفي الفترة الماضية ازدادت تصريحات الأحزاب الكردية ومجلس سوريا الديمقراطية الداعية للحوار مع الحكومة السورية، وهي مواقف تعكس صدمة تلك القوى من تحالفاتها الدولية وتمهّد الطريق لحوار طال انتظاره بشأن أوضاع شمال سوريا.
في مقابل ذلك نفت بعض الأطراف الكردية وجود أي حوار أو اتفاق مع الحكومة السورية حتى الآن حيث أكدت الرئيسة المشتركة لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" إلهام أحمد عدم وجود اتفاق مع دمشق ينصّ على تسلّم الحكومة السورية إدارة المنشآت النفطية، وتولي عمليات تصدير النفط.
من جانبها ذكرت صحيفة "الوطن" السورية أن الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي "صالح مسلم" وفي محاولة منه للعودة إلى الأضواء يحاول إفشال أي محاولة تقارب بين الحكومة والمواطنين السوريين الأكراد، وأضافت إن مصادر كردية مقرّبة من حزب الاتحاد الديمقراطي قالت لها إن مسلم الذي يعتبر إحدى واجهات حزب "الاتحاد الديمقراطي" يسعى لتخريب التقارب الأخير والمباحثات التي بدأت لعودة مؤسسات الدولة إلى كامل المنطقة التي تسيطر عليها " قسد" لتصبح هذه المساحة تحت سيطرة الجيش السوري بما ينجّيها من تقلبات الأهواء الأمريكية والتدخل التركي، وحتى لا تتكرر مأساة عفرين في مناطق أخرى.
هواجس وتحديات
الحقائق والوقائع تقول بأن الأكراد أحوج ما يكونون إليه اليوم هو الحوار مع الحكومة السورية الطرف الأقوى والأكثر سيطرة على الأرض، والذي لا غنى عن الجلوس معه مهما خالفت بعض الأطراف الكردية ذلك لمجموعة الاعتبارات التالية:
أولاً: تحركات الأكراد الأخيرة توحي بأنه لم يعد لديهم نفس الثقة تجاه الأمريكي، وما يؤكد ذلك سعيهم الحثيث لتشكيل إدارة موحدة للمناطق التي يسيطرون عليها، وقد ذكر ذلك الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية، وهذا أمر طبيعي بعد أن خذلهم الأمريكي مرات عديدة عندما كانوا في أوج قوتهم، فكيف سيكون حالهم اليوم والكفّة ترجّح لمصلحة الحكومة السورية على مستوى السياسة والميدان.
وتهدف الخطة التي أعلنت في مؤتمر لمجلس سوريا الديمقراطية في مدينة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة إلى دمج عدد من الإدارات أو المجالس المحلية التي ظهرت في الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية شمال سوريا وشرقها.
ثانياً: المناطق التي يسيطر عليها الأكراد تحتوي على أعراق وقوميات مختلفة منها العرب والآشوريون والشركس، ولم يتعاطَ الأكراد بشكل جيد مع العرب وبقية الأقوام في مناطق سيطرتهم علماً أنهم شاركوهم القتال، ومع ذلك لم يحظوا بأي منصب داخل الوحدات الكردية، وبدأت في الآونة الأخيرة تبرز تحركات احتجاجية في محافظة الرقة ذات الأغلبية العربية، في ظل تردي الخدمات الاجتماعية والإدارية فضلاً عن ممارسات بعض العناصر الكردية، وبالتالي على الأكراد اليوم أن "يبيضوا صفحتهم" أمام هذه الأقوام عبر تقديم الخدمات والمزايا لهم لكي لا يشكّلوا نقطة ضعف لهم في أي حوار مقبل مع الحكومة السورية.
ثالثاً: لا يوجد هناك من يدعم فيدرالية الأكراد وإنشاء حكم ذاتي في سوريا، لا من قبل الحكومة السورية نفسها ولا من قبل الدول الإقليمية والكبرى، وحتى حليفتهم واشنطن لا تريد ذلك ولكنها قد تستخدم هذا الملف كورقة ضغط خلال مفاوضاتها مع الجانب الروسي على حساب الأكراد.
وحالياً لدى الأكراد تخوّف كبير من أن تساهم أمريكا بإخراجهم من منبج، وما يقلقهم في هذا الصدد الاتصال الأخير الذي جرى بين الرئيس الأمريكي ترامب ونظيره التركي أردوغان الذي أكد خلاله الجانبان ضرورة تنفيذ خارطة الطريق المشتركة بخصوص مدينة منبج لأن من شأنها أن تساهم بشكل كبير في إنعاش التعاون الرامي لحلّ الأزمة السورية.
ويجب ألّا ننسى بأن الأكراد لم يضعوا حدوداً لفيدراليتهم وبالتالي من حق الحكومة السورية أن تقلق من هذا الموضوع، وخلال الشهر الماضي قال الرئيس السوري بشار الأسد: إن دمشق تفتح أبواب المفاوضات مع قوات سوريا الديمقراطية لكن إذا فشلت المفاوضات فإنها ستلجأ إلى القوة لاستعادة الأراضي التي يتمركز بها نحو ألفي جندي أمريكي.
هناك تخوّف كردي كبير من المستقبل، وبات واضحاً أن الأكراد اقتنعوا بضرورة عدم وضع كل بيضهم في السلّة الأمريكية، ولكن إلى أي درجة سيكون حوارهم مع الجانب السوري "كردي" بامتياز دون أي تدخلات خارجية، هذا ما سنشهده في الأيام المقبل.