الوقت - أثارت تغريدة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" التي أعلن فيها موافقة السعودية زيادة إنتاجها للنفط بمليوني برميل يومياً، ردود أفعال واسعة باعتبار أن هذه الموافقة تتناقض تماماً مع ما تمّ الاتفاق عليه داخل منظمة الدول المصدّرة للنفط "أوبك" والذي أكد على وجوب التقيّد بسقف الإنتاج لمنع هبوط الأسعار بعد أن تجاوزت حاجز الـ 80 دولاراً للبرميل (خام برنت).
ويعتقد معظم المراقبين بأن السياسات السعودية النفطية وغيرها تصبّ دائماً في خدمة أمريكا وتلحق أضراراً كبيرة بكل الشعوب الإسلامية، ليس هذا فحسب؛ بل يعتقد هؤلاء المراقبون أيضاً بأن السعودية لا تراعي حتّى مصالحها لأن زيادة إنتاج وتصدير النفط من قبلها ستحدّ بالتالي من ارتفاع الأسعار الذي يصبّ في مصلحة السعودية كونها أكبر منتجي النفط في العالم.
ومن البديهي القول بأن أمريكا التي تعد أكبر مستهلك للنفط في العالم تخشى من ارتفاع الأسعار، لذلك تعمد إلى الطلب من الرياض زيادة حجم الإنتاج.
ومن المعروف أن الشعب السعودي يعاني من ارتفاع الأسعار، وبالتالي وبدلاً من أن تسعى الرياض للحدّ من معاناته نراها تفرّط بحقوقه من خلال زيادة تصدير النفط لمصلحة أمريكا والأطراف الحليفة لها وفي مقدمتها الكيان الصهيوني.
ومن الأخطار المحدقة التي تواجهها السعودية هو ضعف الاقتصاد، الذي نجم عن انخفاض أسعار النفط خلال السنوات الأخيرة وتورطها بالعدوان على اليمن وتمويل الجماعات الإرهابية في المنطقة والعالم، وقد أدّت هذه الأسباب وغيرها إلى إلحاق أضرار كبيرة بالميزانية المالية للسعودية التي باتت تعاني من عجز كبير وبشكل ملحوظ.
وعلى الرغم من أن السعودية كانت قد أعلنت بأنها لا تريد اقتصاداً نفطياً وفق رؤية 2030 لكن ما نراه على أرض الواقع هو العكس تماماً.
ومن المخاطر التي ينطوي عليها إعلان الرياض عن استعدادها لرفع مستوى الإنتاج الذي يخالف الاتفاق الذي حصل الجمعة بين موسكو والرياض هو إضعاف منظمة "أوبك" الأمر الذي لا يصبّ في مصلحة أعضائها بكل تأكيد.
ويرى بعض المحللين في حثّ الرئيس الأمريكي للسعودية على رفع إنتاج النفط بنحو مليوني برميل يومياً بمثابة مطالبة للرياض بالانسحاب من "أوبك" لأن هذا الأمر يتعارض تماماً مع قرارات المنظمة التي تؤكد على وجوب التقيّد بسقف الإنتاج للحيلولة دون هبوط الأسعار الذي يضرّ بمصالح الدول المصدرة، ويهدد وحدة "أوبك" ويقوّض بنيتها ويعرض استقلالها للخطر.
وكان أعضاء "أوبك" قد اتفقوا أثناء اجتماع عقدوه في فيينا الأسبوع الماضي على إبقاء سقف الإنتاج على مستوى 1.2 مليون برميل يومياً.
وتلعب السعودية دوراً محورياً في إغراق أسواق العالم بالنفط لخفض الأسعار حتى لا يتأثر الاقتصاد الأمريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام.
من هنا يمكن الاستنتاج بأن قرار الرياض بالموافقة على طلب الرئيس الأمريكي في المكالمة الهاتفية التي أجراها مع الملك السعودي "سلمان بن عبد العزيز" يعني بالتالي وصول الإنتاج السعودي إلى سقفه الأعلى أي 12 مليون برميل يومياً، وهو يمثل خروجاً عن اتفاق "أوبك" الذي جرى التوصل إليه قبل أسبوع بالتنسيق مع روسيا، على أن تكون زيادة الإنتاج في حدود مليون برميل فقط، الأمر الذي قد يؤدي إلى انهيار "أوبك" أو حدوث انقسامات بين أعضائها على الأقل.
ومن المؤكد أننا أمام مرحلة من الفوضى في الأسواق العالمية، اقتصادية وسياسية، قد تتطور إلى استقطابات وتحالفات بين الدول الرافضة لزيادة الإنتاج لمواجهة مخاطر انخفاض الأسعار على اقتصادها إثر القرار السعودي الذي سينعكس سلباً على عوائد دول "أوبك" التي مُنيت معظمها بكارثة مالية جراء انهيار أسعار النفط عام 2014 ووصولها إلى 30 دولاراً، خاصة أن القرار السعودي الجديد يأتي في وقت بدأت فيه الأسعار تتعافى وتقترب من قيمتها الحقيقية، وبما يوفر العوائد المأمولة للدول المصدرة ولاسيّما التي تواجه أزمات اقتصادية.
وفي الحقيقة تسعى أمريكا من خلال حثّ السعودية على زيادة إنتاجها من النفط إلى تحقيق عدّة أهداف في مقدمتها منع إيران من الاستفادة من حقّها المشروع من حصتها المقررة داخل منظمة أوبك.
ومن المؤكد أن السلطات السعودية وبسبب عدائها الواضح لإيران ونتيجة عدم تمتعها بالاستقلالية في اتخاذ القرارات، فضلاً عن تورطها بأزمات داخلية وخارجية تعيش دوّامة مستمرة من التخبط، وهذه نتيجة طبيعية للسياسات المتهورة التي تنتهجها الرياض إزاء المنطقة برمتها، ومن الأولى والأجدر أن تستفيق السعودية من سباتها وتفكر بمصالح شعبها وتكفّ عن التآمر على دول وشعوب المنطقة إرضاءً للكيان الإسرائيلي وداعمته الأساسية أمريكا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما الثمن الذي ستحصل عليه سلطات الرياض مقابل التجاوب السريع مع طلب ترامب، وزيادة إنتاج السعودية النفطي إلى معدلاته القصوى بشكل يضرّ مواطنيها ومواطني الدول المصدرة للنفط التي تعتمد على عوائده كمصدر أساسي للدخل؟
الإجابة على هذا التساؤل واضحة وهي أن المهم لدى نظام آل سعود هو كسب رضا ترامب على أمل إلحاق الضرر بإيران، وتوهم الحصول على دعم أمريكي للبقاء في السلطة مدة أطول مهما كانت النتائج وخيمة وكارثية على كل شعوب ودول المنطقة.