الوقت - كان من المفترض علی المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي وفي مقدمتها الازهر الشريف، أن لا تدخر جهدا لإطفاء نار الفتنة التي أشعلها التكفيريون والتي حصدت أرواح مئات الآلاف من الأبرياء، بإعتبار أن هذه المؤسسات يجتمع فيها أصحاب «الحل والعقد»، لكن ما رأيناه من قبل الإمام الاكبر «أحمد الطيب» شيخ الازهر الشريف خلال الأيام الماضية، كان معاكسا الی حد كبير لهذه التوقعات.
حيث أن جميع من يتابع المأساة التي تعيشها الشعوب الإسلامية، بدءاً من سوريا والعراق، وصولا الی ليبيا وفلسطين، يعتقد أنه ينبغي القيام بشيء ما لانقاذ المسلمين في هذه الدول من الهلاك والذبح والسلب علی يد الجماعات الإرهابية وكذلك مؤامرة الكيان الإسرائيلي. وفي ظل الاحداث المأساوية التي تجري في تلك الدول، أطل علینا فضيلة الامام أحمد الطيب عبر شاشة التلفزيون المصري خلال أيام شهر رمضان المبارك وأعلن أنه سيتحدث خلال هذا الشهر الفضيل عن خلافات الشيعة والسنة حول الصحابة. علمنا أن فضيلته صرح خلال أحد برامجه أن هدفه "هو البحث عن وحدة الأمة الإسلامية لا فرقتها".
لاشك أن البحث عن الطرق التي تؤدي الی وحدة المسلمين كما تفضل شيخ الازهر هو "هدف مقدس" حيث أن لو تحققت هذه الامنية، لتمكنت الأمة الإسلامية من أن تنهض بنفسها وتصبح لاعبا رئيسيا في شتی قضايا العالم المعاصر. لكن سؤالنا هنا من فضيلة الشيخ أحمد الطیب هو هل حقا إن ما تحتاجه شعوب المنطقة الیوم هو البحث في خلافات المسلمين حول «الصحابة» الذين ماتوا والكثير من المسلمين حتی لم يعرفوا أسمائهم؟، أم أنه يجب علینا أن نبحث في هذه الفترة عن السبل التي توحّد المسلمين وتنقذهم من مذابح «داعش» والتكفيريين في سيناء وسوريا والعراق؟
كما أننا نتساءل حول السبب الذي أدی بشيخ الازهر أن ینسی جميع ما تتعرض له مصر الیوم من خلافات سياسية حادة بين النظام الحاكم والمعارضة، وبدل البحث عن طرق إنهاء هذه الخلافات وعودة اللحمة الی أبناء مصر، قرر أن يبحث الخلافات بين المسلمين الشيعة والسنة!. في هذا السياق هنالك من المتابعين من يقول إن مصر عارضت طلب السعودية إرسال قواتها البرية للمشاركة في حرب الیمن، وكان هذا موقفاً صائباً من قبل الحكومة المصرية، لأنها حفظت جنودها من الموت المحتوم الذي كان ينتظرهم في حال دخولهم أرض الیمن، لكن والحديث لهؤلاء المتابعين فیقولون إن مصر ومن أجل عدم إستثارة غضب السعودیة بسبب هذا الرفض، دفعت بشیخ الازهر لنبش الخلافات بین المسلمین الشیعة والسنة، إرضاء للسعودیة.
كما أن البت في خلافات المسلمين حول الصحابة عبر شيخ الازهر وانتقاداته الحادة للشيعة دون أن يكون من يدافع عن آرائهم حول بعض الصحابة وليس جميعهم، قد فتح الباب لبعض الناس لتكفیر الشیعة. وفي هذا السياق يمكن الإشارة الی الدكتور «ياسر برهامي» نائب رئيس الدعوة السلفية والذي هاجم الشيعة بعد ثنائه وتمجيده لموقف الشيخ احمد الطيب ضد هذه الفئة من المسلمين، واصفا المسلمين الشيعة بـ "الخبثاء المفسدين"علی حد زعمه.
لايوجد لدينا أدنی شك أن العالم الإسلامي يتعرض بأسره الی مؤامرة كونية، وتعتبر قضية بث الخلافات بين المسلمين هي عماد هذه المؤامرة، فسيكون من يساعد علی تأجيج نيرانها بين المسلمين شريكا في هذه المؤامرة سواء كان فضيلة الامام الاكبر للازهر الشريف او علماء السلفية والوهابية أو البسطاء من الشيعة والسنة. كما يجب أن لايفوتنا أن الأسلوب الذي يتبعه فضيلة الشيخ احمد الطيب خلال برنامجه الرمضاني والحديث عن موقف الشيعة من الصحابة، ليس موقفا علميا ومهنیا. حيث أن شيخ الازهر يقوم بنقل موقف الشيعة تجاه الصحابة بنفسه شخصيا، في حال أن الطريقة الصحيحة هي أن يسمح شيخ الازهر للشيعة أن يشرحوا موقفهم من هذه القضية بأنفسهم دون غيرهم.
كما أن الكثير من المفكرين وعلماء المسلمين يعتبرون طرح القضايا الخلافية الجوهرية بين السنة والشيعة عبر الفضائيات يأتي بنتائج مضرة أكثر من أن تكون منفعة، لان هذه القضايا ينبغي أن تبحث من قبل العلماء وعبر المؤتمرات وليس من خلال الفضائيات. كما أن الأزهر الشريف یتحمل مسؤولية كبيرة بسبب رفضه الجلوس مع علماء الشيعة لبحث الخلافات الثنائية، والسبب في هذا الإمتناع یعود للضغوط السعودیة.
لكن وبالرغم من جميع تحفظاتنا علی برنامج شيخ الازهر الرمضاني يجب أن نثني علی موقفه الذي أعلنه خلال هذا البرنامج "أن السنة والشيعة مسلمون ومؤمنون، فنحن أمة واحدة، وأبناء دين واحد، وفي زورق واحد، وهذه قضية لا يجب أن نقترب منها"، فإن مثل هذا الكلام يمكن أن يؤلّف القلوب ويوحّد المسلمين أكثر من البت في الخلافات بینهم. واخیرا نقول إنه من الضروري أن یجلس علماء الازهر مع علماء الحوزات الشیعیة لتقارب الآراء وحل مشاكل العالم الإسلامي ووقف نزیف الدم، لا أن یهیّجوا عواطف ومشاعر الناس عبر الفضائیات.
