الوقت- تتوالى ردود الأفعال على قضيّة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، ففي الوقت الذي تحاول فيه بعض الدول العربية أو الإسلامية التنصّل من قضية القدس والاستدارة عليها، هناك من لا يزال يؤمن بهذه القضية ويدافع عنها بالقول والفعل، وقد شاهدنا أول الغيث في أعمال القمة الخاصة لمنظّمة التعاون الإسلامي، والتي عقدت في إسطنبول لمناقشة التطورات الأخيرة في فلسطين بما في ذلك افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، وجرائم "إسرائيل" بحق الفلسطينيين.
القمة المذكورة خرجت ببيان يحتوي نقاطاً مهمة سيكون لها وقعها على طبيعة الصراع الدائر في المنطقة، وستوصل رسالة إلى ترامب بأن هناك من لايزال يدافع عن الحق بالرغم من كل الضغوط التي تمارس عليه؛ في الحقيقة كان الاجتماع مهماً، وله أبعاد على المستوى الإقليمي، والدولي مهمة جداً، خاصةً أن البيان الختامي له أضاء نقاطاً حساسة لو نفذت سيكون قرار ترامب لا يساوي حبراً على ورق.
البيان الختامي لمنظمة التعاون الإسلامي طالب بنشر قوة دولية لحماية الشعب الفلسطيني، ودعا في ختام قمة اسطنبول لفرض قيود اقتصادية على الدول التي تنقل سفارتها إلى القدس المحتلة، كما أدان البيان بأشدّ العبارات الجرائم الوحشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بدعم من الإدارة الأمريكية بحق الشعب الفلسطيني، ودعا البيان مجلس الأمن إلى الوفاء بالتزاماته القانونية، وتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين من خلال إيفاد قوّة دولية وفرض عقوبات تجارية على الدول التي تتعامل مع الكيان الصهيوني.
وجاء الخطاب التركي في القمة حادّاً نوعاً ما ومتناسباً مع طبيعة الأحداث الدائرة في المنطقة والتي تلعب "إسرائيل وأمريكا" دور المخرب فيها الساعي لقلب المنطقة تاريخياً وثقافياً ودينياً رأسا على عقب وإحداث شرخ يسهل من خلاله السيطرة على كل من يخالف الصهاينة والأمريكيين، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن " أيدي أمريكا تلطّخت بدماء الشعب الفلسطيني من خلال قرارها بشأن القدس، أقول بوضوح ما تقوم به "إسرائيل" هو قطع للطرق ووحشية وإرهاب دولة".
كلام أردوغان جاء في وقته من زعيم دولة إقليمية لها ثقلها في هذه المنطقة وبالتالي يعد وقوفها إلى جوار الفلسطينيين في محنتهم أمر مهم على المستوى المعنوي لشعب ضاق ذرعاً بوحشية الاحتلال، وتعامي المجتمع الدولي عن جرائمه، لذلك نحن نشدّ على أيدي أردوغان في هذه الخطوة ونأمل أن تمضي تركيا في مواقفها حتى تعطيل قرار ترامب وإفشاله.
وكان لافتاً أيضاً في هذا الخصوص الخطابات المتتالية التي أطلقها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، خلال الأسبوع الفائت حول موضوع نقل السفارة والتي حذّر فيها من أن "إسرائيل" ستتمادى أكثر ما لم تُحاسب على الإرهاب الذي تمارسه في فلسطين، جاء ذلك في تصريحات صحفية أدلى بها في ولاية "أنطاليا" جنوبي تركيا، يوم الثلاثاء الفائت.
وحول التدابير حيال البلدان التي تعتزم نقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، أوضح جاويش أوغلو: "ندرس ماهية العقوبات ضد الدول التي ستنتهك وضع القدس وتنقل سفاراتها إليها (من تل أبيب)، بعد الآن هناك عقوبة، هناك تدبير". وتابع: "لأول مرة العالم الإسلامي يتخذ قراراً، حيث سنرسل قوة دولية لحماية أشقائنا الفلسطينيين والقدس، وعقب ذلك لن تتمكن "إسرائيل" من مهاجمة أشقائنا الفلسطينيين متى شاءت"، واستدرك "بالطبع سنفعل ذلك مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لأن ذلك ليس مشكلة المسلمين فقط، بل كل أتباع الأديان السماوية الثلاثة".
هذه الجديّة في الخطاب التركي استمرت في خطاب جميع المسؤولين الأتراك وعلى ما يبدو أنهم يأخذون القضية على محمل الجدّ، وهذه نقطة تحسب لهم، وتحرج كل من كان يريد أن يتراخى بهذا الخصوص في عالمنا الإسلامي، وفي يوم الثلاثاء الماضي، قالت وسائل إعلام إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أشار إلى أن تركيا قد تنظر في حظر استيراد بعض السلع الإسرائيلية بسبب مقتل متظاهرين فلسطينيين على يد القوات الاحتلال الإسرائيلي على حدود غزة.
هذه اللهجة التركية قابلتها لهجة "إسرائيلية" مضادة جاءت في محاولة لامتصاص صدمة الموقف التركي وحديته فيما يخص القدس، لأن الحسابات الإسرائيلية والأمريكية لم تكن على هذا النحو، واعتقدوا أن الأمر سيكون أسلس من ذلك، لذلك خرج الكنيست اليوم عن صمته ليعلن وبحسب صحيفة معاريف العبرية، أنه سيناقش اليوم رزمة من مشاريع القوانين التي تتعلق بالعلاقات التركية الإسرائيلية في ظل التوتر السائد بين البلدين على خلفية المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في الرابع عشر من الشهر الحالي ضد المتظاهرين على حدود قطاع غزة.
وبحسب الصحيفة؛ فإن القوانين ستشمل الاعتراف بالمذابح الأرمنية التي قامت بها تركيا (العثمانية) في بداية القرن الماضي، بالإضافة إلى قضية الأكراد في تركيا، وحقهم في تقرير مصيرهم، وسيحضر النقاش رؤساء الكنائس الأرمنية في شرفة الضيوف.
لكن على "إسرائيل" أن تردّ على إيران أيضاً التي دافعت عن القدس بشراسة وخلال القمة التي عقدت في إسطنبول أكد الرئيس الايراني حسن روحاني أن الإجراء الأمريكي أعطى الكيان الإسرائيلي الضوء الأخضر لقتل الفلسطينيين.
في ظاهر الأمر يبدو أن الرياح الإسلاميّة لم تجرِ بما تشتهي سفن ترامب ونتنياهو، في ظل حضور فاعل لإيران وتركيا على المشهد السياسي والإعلامي وفعاليتهما على الأرض، لم تتوقّع أمريكا هذا الأمر، وشروط بومبيو الـ 12 ضدّ إيران هدفت بشكل رئيسي للتغطية على هذه القضية السياسية لترامب، إلا أن هذه الشروط جاءت مضحكة لدرجة أن استفان والت وهو أحد أساتذة جامعة هارفارد استهزأ بهذه الشروط وكتب على حسابه في موقع "تويتر": " أنا حتى الآن أتساءل لماذا لم يطلب بومبيو من طهران أن توافق على افتتاح نادي غولف لترامب في طهران أو أن تدفع المال لبناء الجدار المكسيكي".