الوقت- أين عبد ربه منصور هادي؟ سؤال بات يطرح كثيراً في الأروقة اليمنية، ولكن ليس استفساراً عنه ومحبة فيه، وإنما تهكماً عليه وعلى الوضع الذي يعيشه، فبالرغم من أن الشعب اليمني كان يتناول موضوع هادي إبان توليه منصب الرئيس بنوع من الطرفة، نظراً لاقتصار أعماله على المؤتمرات والمشاركات الشكلية، إلا أنّ هناك اعتقاداً رائجاً بأن صلاحية هادي أيام صالح باتت تفوق صلاحيته اليوم، حيث لم يترك له ولي العهد السعودي هامشاً للمناورة الصامتة كما كان يفعل سابقاً، وانخفضت هذه الصلاحيات أكثر خاصة بعد السيطرة الإماراتية والقوات الموالية لها على مدينة عدن جنوبي اليمن، حيث انحصر دور الرئيس اليمني المنتهية ولايته في استقبال سفراء بمقر إقامته بالعاصمة السعودية الرياض والاتصال بالمسؤولين وتقديم التعازي في الوفيات، كما أن آخر زيارة قد قام بها إلى اليمن تعود إلى أكثر من عام حيث أرغم على ترك اليمن وإعادة طائراته من سماء "عاصمة الجنوب عدن" إلى الرياض، ومن ثم حجزه في السعودية وصولاً إلى التنسيق الكامل لإقصائه من منصبه.
ويعيش عبد ربه منصور هادي هذه الأيام أصعب فتراته، فهو في وضع لا يُحسد عليه ومحاصر من أقرب حلفائه، وذلك لعدة أسباب ترى فيها السعودية وحليفتها الإمارات مبررات تعجل من رحيله عن الساحة اليمنية وهي كالتالي: التأخير في عملية الحسم العسكري وعدم استغلاله مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وضعف قدرته على احتواء أقرباء صالح وقيادات الجيش اليمني الموالي له، والإمساك بزمام حزب المؤتمر الشعبي العام أكبر الأحزاب السياسية في البلاد.
كما أن هناك مشكلات أخرى قد ارتكبها هادي في السابق، تساهم أيضاً في تعجيل طوي صفحته من المشهد اليمني أبرزها:
أولاً- تعرّضت شعبية هادي لنزيف حاد في اليمن وخصوصاً في المحافظات الشمالية على خلفية تأييده للعدوان السعودي على بلاده، والذي ذهب ضحيته حتى اليوم عشرات آلاف الأبرياء من النساء والأطفال والمدنيين في سياق الجرائم اليومية التي يرتكبها العدوان السعودي الأمريكي بحق الشعب اليمني في مختلف المحافظات منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
وفي سياق متصل كشفت معطيات عمانية أنه خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، أجريت اتصالات مكثفة مع أنصار الله للتفاوض وبوساطة عمانية بعيداً عن هادي، وتركزت على ضرورة توقف متبادل للقصف ووقف المواجهات على الحدود، لكن هذه المبادرة لم يكتب لها النجاح وذلك بسبب إصرار اليمنيين في الشمال على موقفهم وشروطهم، وهو وقف الطلعات الجوية بشكل كامل والتوقف عن دعم حكومة الرئيس المنتهية صلاحياته عبد ربه منصور هادي، وإعلان انتهاء المبادرة الخليجية وترتيب المؤسسة الرئاسية وتشكيل حكومة وحدة وطنية والعودة إلى الحوار بين المكونات السياسية من دون هادي ومسؤولي حكومته.
ثانياً- وقف إلى جانب صالح ضد الجنوبيين واليوم يقف ضدّهم أيضاً وبالتالي خسر الجنوب، وبسبب قراراته الأخيرة في الجنوب أخذت المدن التي تسيطر عليها قوات هادي بين الفينة والأخرى تشهد مظاهرات تطالب بإسقاط الشرعية الموهومة العميلة للخارج وكان آخرها يوم أمس حيث شهدت مديرية الشمايتين بمحافظة تعز وهي إحدى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات التحالف وحلفائهم مظاهرات حاشدة في مدينة التربة بمركز المديرية التابعة للحجرية للمطالبة بسقوط الشرعية وسقوط تحالف العدوان" واصفة السعودية والإمارات بالمحتلين لليمن.
كما وطالب المتظاهرون بإسقاط محافظ المحافظة المعين من قبل الرئيس المنتهية ولايته أمين محمود وهتفوا بشعار "يسقط محافظ العدوان".
لماذا التمسك به حتى الآن؟
أوراق هادي باتت محترقة في الشمال والجنوب ولعلّه أصبح الأضعف اليوم على الساحة اليمنية، إلا أن الرياض لا تزال متمسكة به ولو في فناء الفنادق نظراً لصفة رئاسة الجمهورية (مستقيل ومنتهية ولايته) التي يحملها قولاً لا فعلاً، كما أن هناك إصرار أمريكي على بقاء هادي، ويقول محللون أمريكيون أنه في نهاية المطاف، هادي ورغم إخفاقاته، يمثل عاملاً مهماً إذا أردنا الوصول إلى حل سياسي في اليمن، وإذا كان هادي خارج هذا الحل قد تبقى السعودية تقاتل في اليمن لعشرين سنة. وفي السياق ذاته يرى الخبير في الشؤون اليمنية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية آدم بارونف أن هادي "يبقى شخصية رئيسية فقط لأنه رئيس اليمن المعترف به ورئيس الحكومة المعترف بها".
كما أن السعودية تستفيد منه في حضوره للقمة العربية، وذلك من أجل شدّ العصب العربي ضدّ إيران وأنصار الله، حيث لطالما كانت كلماته تتناول التدخل الإيراني في اليمن رابطاً كل ما يجري من قتل ودمار ومجاعة في اليمن بذلك، ويقول خبراء سعوديون أن مصير المعارضة السورية التي عوّلت عليها الرياض سيناله، بل أكثر من ذلك لأن السعودية وضعت كل بيضها في سلّته سابقاً.
إذاً هادي أصبح أمام مصير واضح، سواء انتهت الحرب في اليمن سياسياً أم عسكرياً، هو الإقصاء من الحياة السياسية اليمنية حيث أصبح هناك توافق شبه كلي من قبل السعودية والإمارات بألّا يكون له دور سياسي قادم من خلال تكوين مجلس رئاسي هو بعيد عنه وهم بانتظار الأوامر الأمريكية بذلك.