الوقت- تجد الولايات المتحدة الأمريكية، إيران عدوّاً شرساً لها ولمشاريعها التوسعية في المنطقة وعائقاً كبيراً أمام تشكيل شرق أوسط جديد على المقاسات الأمريكية، وقد اصطدمت المشاريع الأمريكية في كل من العراق وسوريا وعدة دول أخرى بجيل جديد من المقاومة أكثر شراسة من ذي قبل ولا يمكننا أن نفصل إيران عن هذه المقاومة بل يمكننا اعتبارها جسد المقاومة في الشرق الأوسط، لذلك نجد واشنطن لا تدخر جهداً في توجيه طعنة تلو الطعنة لهذا الجسد المقاوم لإجباره على الرضوخ للمشاريع الجديدة التي يرسمها مهندسو البيت الأبيض للمنطقة.
ولذلك كان لا بدّ من إيجاد طرق حل لمواجهة إيران ونفوذها في المنطقة وإضعاف دورها الإقليمي المتنامي بأي ثمن، وبما أن خيار المواجهة العسكرية المباشرة صعب التحقيق نظراً لقوة إيران العسكرية على جميع المستويات، كان لا بدّ من البحث عن حلول أخرى لإضعافها وشلّ حركتها الدبلوماسية، وأولى هذه الخطوات هي إيجاد حلفاء في المنطقة لمحاصرتها عن قرب؛ الحليف الأول حاضر دائماً وينتظر الأوامر بفارغ الصبر، يتمثل بالكيان الإسرائيلي، لكنه في الحقيقة لا يمكنه أن يفعل شيئاً مع إيران أكثر من "البعبعة" الإعلامية والتحريض ضدها على المنابر، وهذا ما حدث تماماً عندما خرجت بعض المظاهرات في أواخر العام الماضي للمطالبة بتحسين الظرف الاقتصادي، ولقلة معرفتهم بطبيعة المجتمع الإيراني ساهموا من حيث لا يدرون في إخماد هذه المظاهرات، فالوطنية الإيرانية صعبة المنال.
أما الحليف الثاني فمثلته السعودية اللاهثة دائماً وأبداً لكسب الرضا من الأمريكي، فكيف إذا كان من يبحث عن هذا الرضا هو ولي العهد محمد بن سلمان الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة للوصول إلى كرسي الحكم مهما كلّفه الثمن، ولضمان ذلك لا بدّ من التوقيع على ورقة بيضاء يتم ملؤها فيما بعد في البيت الأبيض، ولكن تمكن هذان الحليفان من التأثير على إيران أو إرضاخها بالقوة؟!.
لا نريد أن نتحدث عن كل دول المنطقة ويكفي أن نذكر سوريا والعراق على سبيل المثال لمعرفة مدى قدرة حلفاء واشنطن على "قطع رجل" إيران من المنطقة كما يدعون، حاول الكيان الإسرائيلي مواجهة إيران في سوريا وإسقاط حليفها الرئيس الأسد، والنتيجة كانت بقاء الأسد وانتصاره في كل المعارك التي يخوضها وتوّج ذلك بإسقاط طائرة إسرائيلية فوق الجولان المحتل، في مقابل ذلك سقطت مشاريع السعودية والكيان الإسرائيلي في سوريا وتم القضاء على أغلب المجموعات الإرهابية التي كانا يدعمانها، كذلك الأمر في العراق، وفي البلدين يمكن أن نقول بأن السعودية لا تملك تقريباً أي دور مؤثر أو فعال على عكس إيران.
إذاً ما الحل مع إيران، الجواب نجده في كلام رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية، "هرتسل هيلفي" الذي أرشدهم للطريق الصحيح في التعامل مع الجمهورية الإسلامية قائلاً في آخر مقابلة له: " بعد توقيع الاتفاق النووي، الآن هذه هي أفضل فرصة لتغيير سلوك إيران، وهذا التغيير لا يأتي من خلال المفاوضات، بل يمكن أن يأتي من خلال خلق أزمة اقتصادية وسياسية أو أي شيء آخر، وكلما بقي العالم متحداً في جبهة واحدة، سيزيد ذلك من فرصة التغيير".
إذاً الحل هو من خلال فرض عقوبات اقتصادية عسكرية على إيران، ولكن يا سيد "هرتسل" حاولت السيدة واشنطن عمل ذلك ولكنها فشلت، واليوم نجدها تتجه نحو التلويح بعمل عسكري ضد إيران، بعد أن فشلت كل السبل لمواجهة طهران بالطرق الناعمة، وللقيام بذلك أجرى ترامب مجموعة من التغييرات داخل البيت الأبيض مؤخراً لتجميع مجموعة من الصقور لمواجهة إيران عسكرياً، بالرغم من أن الجميع ينصح بعدم التورط في هذا الخيار لكونه سيجلب للولايات المتحدة الأمريكية كوارث لم تشهد شبيها لها منذ عقود، هذا الكلام تم ذكره مؤخراً في جميع الصحف العالمية وعلى لسان مسؤولين أمريكيين.
اليوم ومن خلال مرور سريع على ما يجري في البيت الأبيض، نجد أن هناك فوضى عارمة تهز أروقة البيت الأبيض يعلمها الجميع، لذلك يريد ترامب أن يهرب من هذه الفوضى من خلال خلق فوضى جديدة في المنطقة تكون إيران المستهدفة فيها، ولهذا السبب أحضر جون بولتون إلى البيت الأبيض للتلويح بأن حرباً جديدة قادمة على المنطقة، فالرجل صاحب الشارب المعقوف هو من دعم حرب العراق التي أحدثت كل هذه الفوضى العارمة في المنطقة، ودعم الإطاحة بنظام بشار الأسد، ودعا بشكل متكرر لضرب إيران وكوريا الشمالية، بحسب الكاتبة روبن رايت التي نشرت ذلك في مجلة "نيويوركر".
ويذكر التقرير الذي نشرته المجلة أن بولتون تحدث قبل توقيع الاتفاقية بين إيران وست دول أخرى، في مقال لصحيفة "نيويورك تايمز"، قال فيه إنه من أجل "إيقاف القنبلة الإيرانية يجب قصف إيران"، وتنبأ فيه بأن "إيران لن تتفاوض بشأن مشروعها النووي، ولن توقفها العقوبات عن بناء منشآت عسكرية واسعة وعميقة.. والحقيقة غير المريحة هي أن العمل العسكري، مثل الهجوم عام 1981 على مفاعل صدام، أوزيراك، ومفاعل سوريا عام 2007، الذي بنته كوريا الشمالية، هو الذي سيحقق المطلوب، والوقت قصير، إلا أن الهجوم لا تزال أمامه فرص نجاح".
ولكن وكما ذكرنا لن تتجرأ لا واشنطن ولا الرياض ولا حتى تل أبيب على توجيه أي ضربة عسكرية لطهران لكون جميع المصالح الأمريكية في المنطقة وقواعدها العسكرية تحت مرمى نيران الصواريخ الإيرانية، فضلاً عن عجز هؤلاء الحلفاء الثلاثة عن القيام بأي حرب جديدة في المنطقة بعد الخسارات المتتالية التي شهدوها في العراق وسوريا واليمن.