الوقت - لم تمر فترة طويلة على إهانة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" لمهاجري الدول الإفريقية عندما وصفهم بألفاظ عنصرية ومسيئة، حتى قام وزير خارجيته "ريكس تيلرسون" - قبل إقالته - بجولة في القارة الإفريقية شملت إثيوبيا وجيبوتي وكينيا وتشاد ونيجيريا.
وهذه الجولة هي الأولى لتيلرسون في القارة الإفريقية منذ توليه منصبه قبل أكثر من عام، بالإضافة إلى أنه أعلى مسؤول أمريكي يزور هذه القارة منذ دخول ترامب البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2017.
ما هي أهداف هذه الجولة المفاجئة؟
يمكن تلخيص الإجابة عن هذا التساؤل بما يلي:
- محاولة إصلاح ما أفسده ترامب الذي شبّه الدول الإفريقية بـ"فوّهة بالوعة مجاري قذرة"، الأمر الذي دفع سفراء 54 دولة إفريقية في الأمم المتحدة إلى إصدار بيان شديد اللهجة يطالبون فيه ترامب بالتراجع والاعتذار، في حين أعلن الاتحاد الإفريقي أن هذه التصريحات تتنافى تماماً مع السلوكيات والممارسات المقبولة.
ويبدو أن تيلرسون أراد أن تكون بداية جولته الإفريقية من إثيوبيا، لأنها مقر الاتحاد الإفريقي، الذي طالب الرئيس الأمريكي باعتذار رسمي.
- محاولة تبديد مخاوف الدول الإفريقية التي تشعر بخيبة أمل مما تعتبره إهمالاً لها من قبل ترامب.
ومن تجليات عدم اهتمام الإدارة الأمريكية بالقارة الإفريقية، اتجاهها نحو تقليص حجم المساعدات المقدمة لبلدان هذه القارة.
- زعمت واشنطن بأن زيارة تيلرسون إلى القارة الإفريقية هي من أجل التنسيق مع حكوماتها في مجال محاربة الجماعات الإرهابية خصوصاً "بوكو حرام" و"حركة الشباب".
- بالإضافة إلى ادعائها أنها تسعى لتدريب القوات الأمنية والعسكرية للدول التي زارها تيلرسون والتعاون مع حكومات هذه الدول في جمع المعلومات الخاصة بالجماعات الإرهابية.
- تقديم الدعم السياسي والاستخباري بشكل مباشر وغير مباشر لحكومات الدول التي زارها تيلرسون.
- مواجهة نفوذ الصين ودول أخرى في القارة الإفريقية.
وكان تيلرسون قد استبق جولته الإفريقية بتوجيه انتقاد علني للصين، حيث قال "إن واشنطن تريد تشجيع نمو دائم يعزز المؤسسات ودولة القانون، ويسمح بتحقيق الاكتفاء الذاتي"، وأضاف: هذا يأتي عكس المقاربة الصينية التي تشجع التبعية عبر عقود غامضة وقروض تغرق الدول في ديون، بحسب قوله.
ويتزايد قلق الأمريكيين خاصة وأن الصين تتبادل مع الدول الإفريقية المواد الأولية مقابل السلع، وهذا يتلاءم مع الواقع الإفريقي.
ولا تقتصر منافسة أمريكا في إفريقيا على الصين فحسب، فهناك فرنسا التي باتت تولي اهتماماً كبيراً بإفريقيا خلال السنوات الأخيرة في محاولة لاستعادة نفوذها التقليدي داخل القارة.
- قالت واشنطن: إن تيلرسون حثّ الدول الإفريقية التي زارها على تطبيق مبادئ حقوق الإنسان واعتماد الأسس الديمقراطية في الحكم، وكأن أمريكا مهتمة فعلاً بهذه الأمور، في حين أثبتت التجارب أن سجّلها متخم بانتهاكات حقوق الإنسان والتنكر للأسس الديمقراطية في تعاملها مع الدول التي تسعى لحفظ استقلالها وسيادتها في مختلف أنحاء العالم.
- أدرج بعض المراقبين جولة تيلرسون الإفريقية في خانة "الاختبار"، نظراً إلى التحديات الداخلية التي تواجهها إدارة ترامب المهتزة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
- وُصفت جولة تيلرسون بأنّها جاءت تحت سقف "السيطرة على الأضرار" التي تقوّض النفوذ الأمريكي في القارة الإفريقية.
من خلال قراءة هذه المعطيات يتبين بوضوح أن جولة تيلرسون في القارة الإفريقية لم تكن تهدف إلى مساعدة دول هذه القارة اقتصادياً أو التنسيق مع حكوماتها من أجل إنشاء أو تطوير بنىً تحتية في هذه الدول، ولا من أجل زيادة التجارة ومساعدة التنمية وتحسين الأمن الإقليمي كما تفعل الصين ودول أخرى تعتقد بأهمية تطوير العلاقات مع هذه القارة. فالصين أصبحت الشريك التجاري الأول للقارة الإفريقية منذ عام 2009 بفضل اعتمادها سياسة المصالح المتبادلة وعدم التدخل في شؤون الآخرين، على عكس تعامل أمريكا مع دول إفريقيا، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا عام 2017 أكثر من 85 مليار دولار.
تجدر الإشارة إلى أن أمريكا تملك قوات وقواعد عسكرية في العديد من الدول الإفريقية. كما تملك محطات للبثّ الإذاعي بمختلف اللغات في القارة السوداء من أجل تبرير وجود قواتها هناك والترويج لمزاعمها بمحاربة الإرهاب، ونشر الأفكار الغربية.
كما تنبغي الإشارة إلى أن موسكو انحازت لبكين في المواجهة بين واشنطن والقارة الإفريقية، حيث انتقد وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" تصريحات أمريكا التي حذّرت الدول الإفريقية مما أسمته مخاطر عقدها اتفاقات حول قروض ماليّة مع الصين. وجاءت هذه التصريحات في أعقاب محادثات أجراها لافروف مع الرئيس الزيمبابوي "أمرسون منانغاغوا" في العاصمة هراري.
وهناك سبب واضح يجعل من جولة تيلرسون الإفريقية غير ناجحة، هو أن الادارة الأمريكية لم تظهر رغبة بالمشاركة الدبلوماسية مع إفريقيا منذ أن أصبح ترامب رئيساً، ومن الصعب تصوّر إمكانية إضافة شيء من هذه الجولة في هذا المجال.
ورغم أن وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس" كان قد تحدث كثيراً عن تأييده للدبلوماسية النشطة بديلاً عن الوسائل العسكرية في القارة الإفريقية، إلا أن ترامب وتيلرسون لم يعلنا عن أي سياسة أمريكية شاملة في هذه القارة.
أخيراً، ليس لدى تيلرسون أي مصداقية كي تعوّل واشنطن على جولته الإفريقية، حيث تم انتقاده علناً من قبل رئيسه "ترامب" ومن ثم إقالته، وأي ادعاءات بأن الحكومة الأمريكية تعني ما تقول في هذا الصدد ليس سوى هراء في ظل تصريحات ترامب الكاذبة والمضللة.