الوقت- يتوجّه العراقيون في 12 مايو المقبل إلى صناديق الاقتراع من أجل انتخاب ممثليهم في المجلس النيابي. تعدّ هذه الانتخابات الثانية بعد انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق عام 2011، وتتميز عن التي سبقتها في 2014 أنها تأتي في أجواء الانتصار الكبير الذي حقّقه الشعب العراقي بجيشه وحشده على الإرهاب الداعشي المدعوم أمريكياً، ما يزيد من أهميتها ويجعلها تضاهي أهمية انتخابات 2005 التي أتت بعد التغيير الكبير الذي حصل في العراق بإسقاط النظام البعثي ورئيسه صدام حسين.
الشعب العراقي مستاء من السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة بعد العام 2003، حيث يعيش الشعب العراقي حالة من التململ بسبب إخفاق حكومته في توفير المشاريع الخدمية وتفشّي ظاهرة الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة مقابل ضعف كبير في مجال محاربته أو الحدّ منه، هذه المعطيات تدلل على تبدل مزاجية الناخِب العراقي نحو الدولة القوّية وإرادة التغيير عبر صناديق الاقتراع في سبيل الوصول إلى طبقة سياسية تعمل على إيجاد غدٍ مشرق للبلاد.
هناك شريحة شعبية واسعة ترى في ممثلي الحشد الشعبي السياسيين ضالتهم الانتخابيّة نظراً للتضحيات التي قدّموها من أجل القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، إلا أنّ وصول ممثلي الحشد الشعبي إلى المجلس النيابي، زاد من المخاوف الأمريكية بخسارة العراق كلياً، وهذا ما دفعهم إلى العمل على عدة جبهات في محاولة للبقاء في العراق عسكرياً وسياسياً حيث يحاول الأمريكي استغلال الأشهر المتبقية للحكومة العراقية وممارسة الضغوط عليها من أجل إنشاء قواعد عسكرية ثابتة، وتشير المعطيات إلى أن أمريكا عرضت على رئيس الوزراء حيدر العبادي صفقة متمثلة بحصوله على ولاية ثانية مقابل بقاء عسكري ثابت لها في العراق.
لا تقتصر الأنشطة الأمريكية على إبرام الصفقات السياسيّة، والدعم المالي لبعض الجهات التي لطالما ارتبطت بالأمريكي، بل تعمد واشنطن إلى تشويه صورة بعض المرشحين الأقوياء من أجل التأثير على مزاج الناخب العراقي لانتخاب ممثلين ترتاح لهم أمريكا، ولعلّ المرشح الأبرز الذي تحاول أمريكا إسقاطه في هذه الانتخابات هو رئيس الحكومة السابق نوري المالكي عبر الترويج لملفات ساخنة تتعلق بالفساد أو الرشوة عبر وسائلها الإعلامية كقناة الحرة التي عرضت تقريراً يوم أمس يتحدث عن أحمد نجل نائب رئيس الجمهورية "نوري المالكي" المتورط بصفقة الفساد الروسية عام 2012 وذلك بالاستعانة برجل أعمال أمريكي من أصل لبناني.
لماذا المالكي؟
نحن في هذا المقال لسنا في وارد الدفاع عن أي من المرشحين للانتخابات العراقية انما نريد ان نبرز التدخلات الأمريكية على مستوى استهداف الشخصيات العراقية ومنها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فمنذ استقالته في 1 نيسان 2012 وإلى يومنا هذا تحاول أمريكا إسقاطه والقضاء عليه إعلامياً وسياساً ومنعه من الوصول مجدداً إلى سدة الحكم في العراق، فلماذا كلّ هذا الإصرار الأمريكي على استهداف المالكي دون غيره؟
لا شكّ أن الأهداف الأمريكية بعيدة كلّ البعد عن النزاهة الاقتصادية، بل ما يحصل أشبه بمخطّط الاغتيال السياسي لأسباب عدّة نذكر منها:
اولاً- نوري المالكي كان له الدور الأبرز في طرد الأمريكي من العراق عام 2011، حيث اتخذت كتلته والتي بلغ عدد أعضائها في البرلمان العراقي حينها 120 من أصل 325 نائباً موقفاً بعدم التوقيع على اتفاقية "وضع القوات الأمريكية" ما أدى بشكل مباشر إلى عدم حصول القوات الأمريكية على شرعية الوجود في العراق وقامت بالانسحاب بحلول نهاية عام 2011.
ثانياً- في 12 سبتمبر 2012 وبعد ثلاثة عقود على وجودها في العراق، غادرت آخر دفعة من أعضاء مايسمى بمنظمة "مجاهدي خلق" الإرهابية العاصمة العراقية بغداد إلى ألبانيا، وكان لنوري المالكي الدور الأبرز في تعجيل طرد هذه المنظمة والتي تدعمها أمريكا في العراق من أجل الضغط على طهران.
ثالثاً- بعد وصول المالكي إلى الحكم وصف الرجل بـ " القائد القوي والمستقل والوطني" حيث كان له دور كبير في صياغة الدستور وفي عملية اجتثاث البعث الذي تدعمه أمريكا كما أن المالكي كان معارضاً مهماً للنظام العراقي البائدِ وبذل قصارى جهده في منع انتشار الطائفية في البلاد وهذا الأمر لم يرح الأمريكي خاصة أن سياسة المالكي لا تتطابق مع السياسة الأمريكية التقسيمية القائمة على الطائفية في المنطقة.
رابعاً- نوري المالكي يريد تحقيق سياسة التوازن في العلاقات الدولية العراقية بين القوى الكبرى كأمريكا وروسيا، حيث يريد المالكي دعم الروس في مواجهة السياسات الأمريكية التي أنتجت جماعات إرهابية أثرت على المجتمعات العراقية، وأدخلت العراق في حرب طائفية نهايتها كانت تنظيم داعش الذي احتل مدينة الموصل في عام 2014. وبعد نجاح التجربة الروسية في سوريا وتقويض السياسات الأمريكية هناك يريد المالكي أن ينقل التجربة إلى بلاده في محاولة لتضييق الخناق على أمريكا. المالكي يريد إمساك العصا من الوسط على الصعيد الدولي بما يحفظ مصالح بغداد، ولا يجعل قرارها مرتهناً لهذه العاصمة أو تلك.
اذاً، هذه ليست المرة الأولى التي تتدخل فيها أمريكا في مصير الدول العربية والعالمية فهي تتدخل في كل زاوية من زوايا الشرق الأوسط والعالم محاولة فرض إرادتها وإسقاط من تشاء ورفع من تشاء من الحكم، وخاصة في العراق، أرض الذهب الأسود، فقبل اسقاطها المالكي في 1 ابريل 2012 عبر منعه من الوصول مرة أخرى إلى رئاسة الحكومة، سبق لها وأسقطت اياد علاوي من تشكيل الحكومة بعد انتخابات عام 2010، ومثلما منعت ابراهيم الجعفري الفائز في انتخابات عام 2005. فأمريكا تحاول جاهدة العودة إلى العراق وتريد أن تعود كما كانت في السابق الآمر الناهي هناك والمتحكمة بإدارة شؤونه دون منازع، إلا أن الوعي عند الشعب العراقي سيسقط المؤامرة الأمريكية الجديدة كما أسقط المؤامرات السابقة، وسيذهب إلى الانتخابات في أيار مايو القادم ليجدد العهد مرة أخرى قائلاً "لا للتدخل الأمريكي في شؤون العراق الداخلية.