الوقت- شهدت الآونة الأخيرة اجتمعاً جمع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ، وخلال الاجتماع أعلن ستولتنبرغ أن قوات الناتو تخطط للبقاء في العراق، مشيراً إلى أنها لن تبقى في العراق أكثر من اللازم، حيث لا تزال قوات من 19 دولة من أعضاء حلف الناتو منتشرة في العراق، وذلك بهدف مساعدة القوات العراقية في التخلص من القنابل والتدريب على استخدام المعدات العسكرية.
سيناريو البقاء الدائم للولايات المتحدة في العراق
يرى الخبراء أنّ إعلان الأمين العام لحلف الناتو عن بقاء قوات الحلف في العراق يأتي في إطار سيناريو بقاء الولايات المتحدة الدائم في العراق، فمنذ عدة أشهر تم القضاء على إرهابيي تنظيم داعش الإرهابي في العراق من خلال القوات الشعبية العراقية، حتى أنّ أيّ أثر لا يكادُ يُرى لأولئك الإرهابيين على الحدود العراقية، هذا التغيير الكبير في الوضع القائم قضى على أيّ أعذار للأمريكيين لتبرير استمرار وجودهم العسكري في العراق.
ويبدو هذا الأمر أكثر وضوحاً من خلال الرسالة التي تمّ توجيهها من قبل وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى أمين عام الناتو، طالباً منه إصدار أوامره لإيجاد مهمة رسمية جديدة لقوات الحلف في العراق، وفي هذا السياق أكد دبلوماسيون غربيون أنّ وزراء دفاع حلف الأطلسي وخلال اجتماع رسمي لهم مع الولايات المتحدة وافقوا على طلب واشنطن بالبدء بمهمتها الجديدة في العراق.
ويذهب مراقبون إلى أنّ اتفاقية "التعاون الاستراتيجي" بين بغداد وواشنطن لا تمنح الأمريكيين الحق في مواصلة وجودهم في العراق، غير أنّ بقاء حلف شمال الأطلسي في العراق بحجة تدريب القوات العراقية، يأتي من خلال سعي واشنطن لإطالة أمد وجودها في العراق.
الطمع الأمريكي بالموقع الاستراتيجي للعراق
يمتلك العراق لما له من أهمية كبيرة في مختلف الجوانب العسكرية والأمنية والاستخباراتية والاقتصادية مركزاً مهماً للسياسيين الأمريكيين، ويمكن رؤية هذه الأهمية من خلال القواعد العسكرية للولايات المتحدة التي تأسست في العراق منذ عام 2003.
بالإضافة إلى ما سبق، يتمتع العراق بأهميّة سياسية ودبلوماسية للجانب الأمريكي، وما يدلُّ على أهمية العراق بالنسبة لواشنطن، أن السفارة الأمريكية في العراق تعتبر واحدةٌ من أكبر السفارات في الشرق الأوسط، هذا وبحسب مراقبين يدلُّ على المكانة الهائلة للعراق في السياسة الأمريكية.
أما في أربيل عاصمة الإقليم الكردي العراقي أقامت واشنطن أكبر قنصلية لها في العالم، حيث بلغت تكلفة المرحلة الأولى من تشييد القنصلية ما يقارب من 600 مليون دولار!، وبناءً عليه؛ تسعى الولايات المتحدة وإلى جانب جهودها الدبلوماسية والعسكرية إلى تهيئة بيئة ملائمة لها للبقاء في العراق بعد سقوط تنيظم داعش، حيث إنّ العراق يُعدُّ رابع بلد في الشرق الأوسط من حيث الكثافة السكانية، وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة للساسة الأمريكيين، وفي الخلاصة جميع ما سبق يدلُّ على الطمع الأمريكي ورغبته في البقاء هناك.
مواجهة إيران على جدول الأعمال
من الواضح أن أحد الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للوجود بشكل دائم في العراق هو مواجهة النفوذ المتنامي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق وعموم المنطقة، حيث أصبحت هذه القضية بدرجة من الوضوح لدرجة أن الأمريكيين وحلفاءهم لا يرغبون بالتحدث عنها، وهم يؤكدون صراحةً أنهم لن يسمحوا بتوسع النفوذ الإيراني في العراق أو في أيِّ بلدٍ آخر.
وفي هذا الصدد يؤكد كل من جون ألين ومايكل أوهانلون؛ وهما خبيران أمريكيان في تقريرٍ نُشِرَ على موقع بروكينغز، أن الاستراتيجية الأمنية التي تهدف إلى احتواء ومواجهة إيران يجب أن تتضمن التزاماً بالحفاظ على وجود عسكري أمريكي طويل الأمد في العراق، وذلك من خلال تقديم مساعدة دائمة لبغداد، ومن الأفضل أنّ تُقدم حكومات الدول الخليجية وتحالف الناتو دعمهم لهذا الوجود.
وما يدلُّ على السعي الأمريكي للمواجهة مع طهران؛ هو المحاولات الأخيرة التي قامت بها واشنطن لإقامة قواعد عسكرية على حدود العراق مع إيران، وهذا يدلُّ بحسب مراقبين على الخطة الأمريكية المُعدّة مسبقاً لمواجهة طهران.
وفي النهاية؛ وبالنظر إلى التطورات الحالية في العراق؛ لا يبدو أن الولايات المتحدة وحلف الناتو سيتمكنان في نهاية المطاف من تحقيق هدفهم بالبقاء بشكلٍ دائم في العراق، حيث إنّ نفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق، وقواتها العسكرية التي باتت متماسكة وقوية أكثر من ذي قبل ستمنع الأمريكيين وحلفاءهم من تنفيذ سيناريوهاتهم الخاصة في العراق.
أكثر من ذلك؛ فقد شهدت الأيام الأخيرة وبقرار استراتيجي من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، دمج قوات "الحشد الشعبي" العراقية بباقي هيكل قوات الأمن في البلاد، ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك القوات جزءاً لا يتجزأ من القوات المسلحة العراقية.