الوقت- يُعتبر يوم "22 اسفند" حسب تقويم التاريخ في الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو "13 مارس" بالتقويم الميلادي، يوم الشهيد في هذا البلد. إن التاريخ الحافل لنظام جمهورية إيران الإسلامية يسوده التضحية والفخر برجال ضحوا بدمائهم وأنفسهم وبذلوا الغالي والنفيس لاستقلال إيران وحريتها وترقيتها. إن قضية التضحية والشهادة وتكريم الشهداء والمجاهدين وعوائلهم، تحظى في إيران بأهمية بالغة ورفيعة المستوى. فقد قدم هذا البلد 250.790 شهيداً و567.127 جريحاً خلال حرب الثمان سنوات المفروضة على إيران. كما يبلغ عدد الأسرى الذين أطلق سراحهم من سجون الدكتاتور صدام 420994 محرراً.
وليس هذا فحسب، فقد عانى الشعب الإيراني أيضاً، إضافة إلى دموية نظام حزب البعث وهمجية حربه المفروضة على إيران، من إرهاب داخلي تمثل بإرهاب منظمة "خلق" التي تُعتبر مُعارضة شرسة للحكومة الإيرانية وشعبها، حيث تضطلع هذه المنظمة في أغلب الاضطرابات التي تضرب إيران وتعمل بشكل أو بآخر على زرع الفتنة في الداخل الإيراني لتأزيم الأوضاع بهدف إسقاط النظام الحالي المُنتخب من قبل الشعب. نشأت هذه المنظمة عام 1965 بهدف الإطاحة بنظام الشاه ثم النظام الإسلامي. وهي تستلهم الفكر الماركسي والإسلامي، وتكونت من انفصال داخل حركة تحرير إيران القومية بزعامة مهدي بازركان.
ارتكبت هذه المنظمة جرائم عديدة بحق الأبرياء سواء في العراق أم في إيران، فلم يسلم منها ومن بطشها الإيرانيون، ومن أمثلة هذه الجرائم، الاعتداء الذي قامت به المنظمة في حزيران 1981، بواسطة قنبلة استهدفت مقر الحزب الجمهوري الإسلامي وخلّفت 74 شهيداً بينهم المسؤول الثاني في النظام آية الله محمد بهشتي. وبعد طردهم من إيران، لجأ منافقو المنظمة إلى أنحاء مختلفة في العالم وخصوصاً فرنسا حيث استقروا في "اوفير-سور-واز" قرب باريس مع زعيمهم مسعود رجوي الذي أسس المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. وفي عام 1986، طُرد مسعود رجوي من فرنسا، في ظل سياسة تقارب مع إيران، وتمركز "مقاتلو خلق" في العراق الذي كان يخوض حرباً ضدّ إيران وقاتلوا إلى جانب الدكتاتور صدام حسين ما دفع النظام في إيران إلى وصفهم بأنهم "خونة ومنافقون"، ولا يزال يستخدم هذا الوصف حتى اليوم. وفي عام 1987، أنشئت الذراع المسلحة لمقاتلي خلق وعرفت باسم "جيش التحرير الوطني لإيران" الذي تبنى عمليات عدة في إيران وخصوصاً هجمات عام 1993 التي استهدفت أنابيب النفط ومسجد الإمام الخميني قرب طهران. كما نسبت إليه عشرات الجرائم. وفي عام 1988، ومع انتهاء الحرب البعثية العراقية (1980-1988)، شنت المنظمة هجوماً عسكرياً على إيران وسيطرت على مدن حدودية عدة، لكن القوات المسلحة الإيرانية عمدت بعدها إلى سحق المهاجمين.
واستمرت المخططات والمؤامرات من قبل هذه المنظمة إلى سنين عديدة وصولاً إلى أيامنا هذه حيث كشفت مصادر إعلامية سابقاً عن وجود تعاون عسكري وأمني بين منظمة "خلق" الإيرانية المعارضة وتنظيم داعش الإرهابي في إطار تحالف يعدّ الأغرب من نوعه.
فبعد كل هذا الاضطهاد والتعسف الذي مارسته هذه المنظمة المرفوضة من الشارع الإيراني وبعد كل جرائمها ووحشيتها تجاه الأبرياء، إضافة إلى الشهداء الذين سقطوا على أيديهم وغيرهم الذين سقطوا في الحرب المفروضة أو في ساحات القتال في البلدان التي واجهت خطر الإرهاب والاستعمار وخطر تنظيم داعش والمجاميع الإرهابية الأخرى دفاعاً عن الشعوب وعن الإسلام ومقدسات المسلمين، لم تغفل الحكومات الإيرانية المتعاقبة بعد سقوط نظام الشاه عن التوجه قدر المستطاع نحو عوائل الشهداء وتثمين تضحيات أبنائهم وتكريمهم.
وعلى الرغم من استحالة تعويض الدم الزكي للشهيد وتعويض تضحياته الجبارة، فقد بذلت الحكومة الإيرانية قصاري جهدها لاحتواء عوائل الشهداء وتعويضهم – نوعاً ما- وإعطائهم حقوقهم نيابة عن الشعب لإظهار أهمية الشهداء وعوائلهم من قبل الشعب الإيراني وحكومته، فتلك الحقوق هي أقل ما يمكن أن تُقّدم لأسر الشهداء رغم أنها ليست سوى قطرة من بحر في مقابل عظمة تضحيات شباب البلد، فهم لا يسلبون حقوق غيرهم ولا يأخذون ما هو غير شرعي وإنما هي حقوق بسيطة توفر لهم سبل العيش الكريم والحياة بعزة، فالشعب الإيراني يقدّر بطولات أبنائه ولا يستخف بها فهو يراها من حقوقهم الطبيعية.
وتعتبر زيارة عوائل الشهداء ولقاءات مسؤولي الحكومة بشكل شبه دائم معهم في جميع المدن والمحافظات الإيرانية، إضافة إلى دعوة أعلى سلطة في الجمهورية الإسلامية، أي المرشد الأعلى عوائل الشهداء والجرحى إلى حسينيته في طهران أو ذهابه شخصياً إلى منازلهم، من جملة الأعمال التفقدية لأحوال هذه الأسر، فهنالك لجان تهتم بشؤون الجرحى والشهداء في كل مدن إيران وتتفقد أحوالهم بين تارة وأخرى وتقدم لهم تسهيلات في المعاملات والأمور الإدارية وكذلك في دراساتهم وجامعاتهم ومساعدات أخرى في مستويات مختلفة.
لا يموت شعب ترتوي تربته من دماء الشهداء ولا تنثني عزيمته أمام قوة العدو الزائفة فالقيم والمبادئ الوطنية والإنسانية أسمى وأقوى من سلاحهم، حيث أٌثبت الشعب الإيراني الأبي بتضحياته وشجاعته ومبادئه هذه السُنّة. الشهداء سراج تستضيء به الأمة، رغم كون رحيلهم يُشعرنا بالحزن بعض الشيء لكن كونهم شهداء يحملون رسالة وطنية إنسانية نبيلة في رفض الظلم والاستكبار ومقارعة الاحتلال والذود عن تراب الوطن ووحدة الصفوف بعيداً عن الانتماءات العقائدية والقومية، يبعث على الفخر والاعتزاز.
لذلك، يحمل كل مواطن مسؤولية تجاه الشهداء وعوائلهم فمهما فعلنا لن نفي حق الشهيد، إذ يجب التمسك بأهدافهم السامية وإكمال طريقهم الذي هو طريق الحق وطريق العظماء والكبار، ويجب نشر ثقافة الشهادة في أوساط الطبقة الشابة وزرع روح الأمل والتسامح فيهم وحثهم على رصّ الصفوف لمنع المتربصين والمتصيدين بالماء العكر من زعزعة وحدتهم وتفتيتها، فلا حياة كريمة دون تقديم تضحيات وعطاء ودفاع عن الحق لأن طريق الشهداء لا يدخله من كان مُنجرّاً وراء مؤامرات قوى الاستكبار ولا من كان هشاً في معتقداته لأن حرب اليوم هي حرب إعلامية هابطة تهدف إلى تسميم المُعتقدات الأصيلة كالشهادة والتضحية والدفاع عن الأرض والعرض من خلال إثارة شبهات مُغرضة لتجريد الإنسان من قيمه.