الوقت- سوريا، أرض البراكين المتفجّرة في القرن الحادي والعشرين كما وصفتها المنظمات الأممية والعالمية. ففي كل مرّة تقترب فيها الأزمة السورية من النهاية السعيدة بتوقف الأعمال الإرهابية والقضاء على الإرهابيين، تتفجّر مجموعة جديدة من التوترات والاضطرابات وذلك بسبب تدخل الأطراف الغربية (أمريكا وحلفاؤها) الذين لا يملّون من وضع الخطط من أجل زعزعة الاستقرار في سوريا بما يتماشى مع مصالحهم وتوقعاتهم. وفي هذا الصدد، أعلن موقع روسيا اليوم الإخباري عن مشروع أمريكي يهدف لتوسيع نطاق دعمه للقوات السورية (الموالية لها) وزيادة عديده من 10 آلاف (عديده الحالي) إلى 65 ألف جندي بحلول العام المقبل.
ووفقاً للطرح الأمريكي، سيكون 35 ألفاً من هؤلاء الأشخاص مسؤولين عن حماية الأمن الداخلي للمناطق التي تم فيها القضاء على داعش من قبل القوات التي تدعمها أمريكا، وسيكون 30 ألف شخص مسؤولين عن مواجهة احتمال عودة تنظيم داعش إلى المناطق التي تم تحريرها. ولتنفيذ هذا الطرح، طلب البنتاغون مبلغ 30 مليون دولار لتمويل هذه القوات. وسيتم اختيار هذه القوات من المعارضة السورية "الموثوقة"، وعلى الأغلب ستكون من القوات الديمقراطية السورية (SDF). والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هو الهدف الرئيسي لأمريكا من تشكيل جيش من هذا القبيل في سوريا وكيف سيؤثر على مستقبل التطورات السورية؟
أولاً وقبل كل شيء، تجدر الإشارة إلى أن خطة الدعم الأمريكية الجديدة للقوات السورية الموالية لها قد أتت في حين إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخراً أن البيت الأبيض ليس مع استمرار الوجود العسكري في سوريا، وأن القوات الأمريكية ستترك البلاد بعد الاطمئنان من هزيمتها الكاملة لقوات داعش وعدم عودتها مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من أن الخطة الأمريكية وكلمات الرئيس الأمريكي لا يتعارضان في المبدأ، لكن إن قمنا بلمحة سريعة على التحركات الأمريكية في سوريا تظهر الأهداف الحقيقية للبيت الأبيض في سوريا، حيث أعلنت أمريكا في 14 كانون الثاني / يناير الماضي أنها تسعى إلى تشكيل قوة عسكرية قوامها 30 ألف جندي لحماية المناطق الشمالية والحدود السورية.
تأتي هذه الخطوة، بالاقتران مع بناء العديد من القواعد العسكرية الأمريكية في شمال سوريا خاصة في المناطق الكردية، فضلاً عن عقد اجتماعات سرية مع دول كالسعودية والأردن وبريطانيا وفرنسا في الأيام الماضية حول الوضع في الشمال السوري، تعكس بشكل عام الهدف الحقيقي لهكذا مخطط وهو تقسيم سوريا، ولكن بسبب المعارضة الواسعة النطاق من الجهات الفاعلة الأخرى على مسرح التطورات في سوريا، وهي روسيا وإيران وتركيا، فضلاً عن افتقارها للدعم الدولي الذي يسعى إلى إنهاء الأزمة في سوريا لما تمثله من عواقب خطيرة على الأمن والاستقرار العالميين على مدى السنوات القادمة، أتى هذا الطرح تحت عنوان "إجراءات لمنع تنظيم داعش من العودة".
وفي السياق نفسه، كشف طلال سيلو، المتحدث السابق باسم القوات الديمقراطية السورية، الذي كان لاجئاً في تركيا، في مقابلة تفصيلية مع وكالة أنباء الأناضول، عرض فيها تفاصيل الخطة الأمريكية لشمال سوريا وكيف أن وكالة الاستخبارات المركزية أنشأت القوات الديمقراطية السورية وأن الهدف منها كان " إيجاد ممرات آمنة للإرهابيين" من شمال سوريا إلى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط .
وتهدف أمريكا من هذه الخطة إلى:
اولاً- تجنب سقوط المناطق التي تحرّرت من داعش بيد الجيش السوري والحكومة السورية.
ثانيًا- الاستفادة من هذه الأراضي كورقة ضغط في أي مفاوضات قادمة حول تحديد مستقبل سوريا في محاولة لمنع استمرار وجود بشار الأسد في هيكل السلطة.
ثالثاً- حماية آبار النفط والغاز في شمال سوريا عبر السيطرة الكردية عليها من أجل تمهيد الطريق لتشكيل حكومة محلية يمكن أن تكون حليفاً استراتيجياً لأمريكا للاستفادة منها كورقة ضغط قوية في وجه كل من تركيا وإيران والعراق.
رابعاً- انعدام الأمن في شمال سوريا من أجل إلهاء الحكومة السورية وحلفائها هناك وذلك من أجل جعل الحدود الجنوبية لسوريا آمنة أمام التحركات الصهيونية هناك.
خامساً- قطع التواصل بين دول محور المقاومة المتمثلة بـ "سوريا إيران لبنان والعراق" عبر قطع الطريق عليهم في الشمال السوري.
سادساً- وأخيراً هزيمة جهود روسيا في سوتشي وأستانا للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وتقليص دورها ونفوذها في سوريا.
أخيراً، إن المخطط الأمريكي لتقسيم سوريا يواجه تحديات كبيرة وعقبات كثيرة، وأكبر هذه العقبات والتحديات هو تحالف ثلاث جهات فاعلة رئيسة على الساحة السورية هي إيران، روسيا وتركيا، في وجه تفكك سوريا. ويمكن القول إن أهم جزء من التعاون بين الدول الثلاث حول القضية السورية هو مواجهة البرنامج الأمريكي في الشمال السوري. ويمكن القول أيضاً، إن الأكراد وخاصة بعد الهجوم التركي على أماكن وجود الأكراد في الشمال السوري وخاصة مدينة عفرين وعدم التحرك الأمريكي في مقابل هذا الهجوم وضعهم أمام خيارين إما الاستمرار في الاعتماد على واشنطن الأمر الذي يعرضهم إلى خطر مواجهة الجيوش السورية، التركية والروسية في المستقبل، أو التوصل إلى حل وسط مع الحكومة المركزية السورية في إطار الحفاظ على سلامة وحدة الأراضي السورية والتنازل عن فكرة الاستقلال ما يشكّل ضربة قوية للمخطط الأمريكي التقسيمي لسوريا.