الوقت- بعد فشله في قمع الثورة الشعبية المطالبة بالتغيير السياسي وإطلاق الحريات العامة وإنهاء التمييز الطائفي، لجأ نظام آل خليفة في البحرين إلى انتهاج أساليب منافية تماماً للقوانين والأعراف الدولية بهدف إجهاض هذه الثورة التي دخلت عامها السابع قبل عدّة أسابيع.
ومن هذه الأساليب التغيير الديموغرافي الذي اتخذ شكلين أساسيين يمكن إجمالهما بما يلي:
أولاً - إسقاط الجنسية البحرينية عن الكثير من المواطنين بحجج وذرائع واهية. وشمل هذا القرار الجائر قيادات ورموز وطنية ودينية معروفة في مقدمتها المرجع الديني آية الله الشيخ عيسى قاسم.
ثانياً - منح الجنسية البحرينية لعشرات وربما مئات الآلاف من الوافدين من دول مختلفة من شتى بقاع العالم، بينها الهند وباكستان وسريلانكا وإندونيسيا وبنغلاديش، بالإضافة إلى العرب من الجنسيات الأردنية واليمنية والسودانية والمصرية والعراقية وغيرها.
يشكّل الوافدون من دول مختلفة نحو 45.5% من مجموع السكّان في البحرين الذين يشكّل الشيعة النسبة الأكبر منهم والذين يتركزون بشكل واضح في وسط وشمال البلاد ولاسيّما في العاصمة المنامة ومحافظة المحرق والمحافظة الشمالية.
وتشكّل نسبة كبيرة ممن منحتهم حكومة المنامة الجنسية البحرينية أداة لقمع الثورة الشعبية في هذا البلد خصوصاً وأن الكثير من هؤلاء هم من بقايا حزب البعث في العراق وفدائيي نظام صدام الذي فقد السلطة عام 2003.
ورغم استعانة نظام آل خليفة بقوات من خارج البلاد لقمع الثورة الشعبية ومن ضمنها ما يعرف بقوات "درع الجزيرة" خصوصاً من السعودية والإمارات، تمكنت هذه الثورة من تثبيت أقدامها والصمود أمام الأساليب التعسفية التي انتهجها النظام والتي تسببت بقتل واعتقال وتغييب الآلاف من المواطنين وإسقاط جنسيات الكثير منهم حتى الآن. ويجري إسقاط الجنسية بصورة تعسفية، ووفقاً لإجراءات غير قانونية وبأوامر مباشرة من الملك "حمد بن عيسى آل خليفة" بما يترتب عليه الإبعاد من الوطن أو الحرمان من العيش الكريم داخل البلد.
وهذا النوع من التجنيس الخارج عن إطار القانون إذا استمر بنفس الوتيرة وبنفس الأعداد في الأعوام القادمة فإن البحرينيين الأصليين سيصبحون أقلية، وهو ما يشكل تهديداً حقيقياً للهوية الوطنية للسكّان الأصليين.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تحتل البحرين المرتبة الأولى في عدد السجناء والمعتقلين السياسيين بين دول العالم، قياساً إلى صغر مساحتها وتعداد سكّانها البالغ حوالي مليون وأربعمئة ألف نسمة.
والبحرين هي البلد الوحيد في العالم الذي يعاقب بسحب الجنسية من المواطنين الأصليين، فيما يقوم بتجنيس أجانب من شتى بقاع العالم. والمفارقة أن الحكومة والسلطة التي تسحب الجنسية من البحرينيين الأصليين هم ليسوا بحرينيين أصليين، بل جيء بهم ليحكموا البلاد بالحديد والنار بدعم من دول أجنبية خصوصاً بريطانيا.
ويعتبر تكاثر المجنسين كبيراً قياساً بشعب البحرين بجميع شرائحه وهذا يعني صيرورتهم الأغلبية خلال عقود قليلة قادمة وهم لا يعانون من مشكلة معيشية بعد أن وفّرت لهم السلطة الوظائف والمساكن وكامل الخدمات الأخرى، وهذا يعني أنّ النسبة بين البحرينيين والمجنسين سوف تتغير تدريجياً لتكون لمصلحة الطرف الأقل وهذا تماماً ما يطمح إليه النظام الحاكم، خاصة أن المجنسين الأجانب أغلبيتهم في سنّ الشباب وفي العقد الثالث من أعمارهم.
وتشير الأرقام المتوافرة إلى أن ما بين 95 ألفاً و 120 ألفاً جرى تجنيسهم خارج إطار الزيادة الطبيعية للسكّان بين عامي 2002 و 2014 فقط.
ويستعين نظام آل خليفة بالمجنسين على قمع الشعب، فأغلب هؤلاء يعملون في وزارة الداخلية كحراس أمن أو في الشرطة والجيش.
وبدأت حرب التهجير وإسقاط الجنسية عن المعارضين في البحرين بشكل واضح في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، حين أصدر وزير الداخلية قراراً، أسقط بموجبه الجنسية عن 31 شخصاً، إضافة إلى سحب جوازاتهم وهوياتهم كما تم استدعاؤهم لطلب تصحيح وضع إقامتهم في البلاد والبحث عن كفلاء لهم.
وزاد هذا التغيير الديموغرافي القسري الوضع الطائفي سوءاً وضاعف من شعور الأغلبية العظمى من الشعب بالغبن والاضطهاد. ويرغب نظام آل خليفة عن طريق هذا التغيير إيجاد صفوف حماية له خارجة عن الشعب ومن ثم الاستمرار في احتكار القرار السياسي والاحتفاظ بالامتيازات غير المشروعة إلى أبعد مدى.
خلاصة القول إن الشعب البحريني يواجه اليوم حرب وجود، فمن جهة، سياسة التجنيس التي ينتهجها آل خليفة لتغيير الطبيعة الديموغرافية وطمس الهوية البحرينية، ومن جهة أخرى سحب الهوية من السكّان الأصليين وتهجيرهم. وكل هذا يحصل أمام مرأى ومسمع المجتمع الدولي ومنظماته الحقوقية والقانونية دون تحريك ساكن، ما ينمّ عن وجود مؤامرة وتواطؤ بين نظام آل خليفة والعديد من المسؤولين المؤثرين في هذه المنظمات لتحقيق غايات بعيدة كل البعد عن نصوص وجوهر القانون الدولي الذي يؤكد على ضرورة احترام حقوق المواطنين ويرفض اللجوء إلى سياسة الإقصاء والتمييز والتهميش الطائفي والمناطقي كما يحصل في البحرين منذ عقود من الزمن.