الوقت- في وقت تشير فيه التطورات الحاصلة في العلاقات بين روسيا والصين إلى ان البلدين يسيران نحو مزيد من التقارب والتحالف على غرار المناورات البحرية المشتركة للبلدين في البحر الابيض المتوسط وزيارة الرئيس الصيني الاخيرة الى موسكو ومعارضة بكين وموسكو للنظام العالمي الذي يخضع لسيطرة امريكا، تلوح في الأفق بوادر لأزمة قد تعصف بالعلاقات الروسية الصينية في المستقبل.
إن إحدى بوادر هذه الازمة هي ان روسيا لاتعتبر قوة آخذة في النمو مثل الصين التي تنمو قوتها باضطراد فلذلك لاتريد روسيا لعب دور الشريك الأصغر للصين كما لن تتعامل الصين مع روسيا مثلما تريده موسكو، ورغم هذا فإن العلاقات التجارية بين البلدين تتعزز باستمرار حيث بلغ حجمها مئة مليار دولار في السنة، وقد اعلن الرئيس الصيني ان بلاده ستستثمر في البنى التحتية الروسية لتسهيل عملية تصدير السلع الصينية الى اوروبا والشرق الاوسط، كما ان موسكو وبكين اتفقتا على تصدير الغاز الروسي الى الصين وعندئذ ستحل الصين محل اوروبا كأكبر مستورد للغاز الروسي.
وهناك صعوبات قد تنجم عن هذه القضية حيث ستفقد روسيا سوقها الغازي في اوروبا كما ان الصين تعتبر نفسها بانها ستخاطر بالاستثمار في روسيا وحينئذ يجب على الروس ان لايطمعوا بأن تحل الرساميل الصينية محل الرساميل الاوروبية في بلادهم.
ولم تكن روسيا ترغب في السابق ببيع تكنولوجيتها العسكرية الفائقة التطور للصين بسبب الهندسة العكسية التي يبرع الصينيون فيها لكن الصعوبات الاقتصادية هي التي جعلت روسيا تقترح على الصين بيعها احدث صواريخها للدفاع الجوي من طراز اس 400.
وترغب روسيا والصين في انشاء مؤسسات اقليمية جديدة مثل منظمة شنغهاي لكن هذا ايضا قد يعود بالضرر على روسيا حينما تغزو الصناعات الصينية اسواق الدول التي كانت محسوبة على روسيا في آسيا الوسطى والقوقاز.
ان وجود مصالح مشتركة بين موسكو وبكين لن يؤدي بالضرورة الى ايجاد علاقات استراتيجية قوية بين البلدين على المدى البعيد وفي هذا السياق يمكن الاشارة الى التباعد الذي كان سائدا بين الصين والاتحاد السوفيتي منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي الى نهاية الثمانينيات.
ان الاقتصاد الروسي يمضي نحو الأفول وهذا ما يقلص قدرة موسكو في التعامل مع بكين في حين يعتبر حجم الاقتصاد الصيني 4 اضعاف حجم الاقتصاد الروسي وما يزيد حالة التباعد هذه هو هبوط اسعار النفط والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
ومن جهة اخرى تعتقد بكين أن الحدود الجغرافية التي رسمت بين الصين وروسيا في القرن التاسع عشر وقبلها لم ترسم بعدالة وهذا ما يضاف ايضا إلى اوجه الخلافات بين البلدين.
وتسعى كل من الصين وروسيا الى التدخل في الاولويات الاستراتيجية لدى كل من الطرفين وهذا ما ينذر بمخاطر لكلا البلدين، فالصين لاترى مصلحة لنفسها في التدخل في الأزمة الاوكرانية لصالح روسيا كما ان روسيا لا ترى مصلحة لنفسها في التدخل في الخلافات والمناوشات الحدودية التي نشبت بين الصين وعدة دول في جنوب شرق آسيا.
بدورها لاتنتفع الدول الغربية من تأجيج الخلافات بين الصين وروسيا فالدول الغربية ترى ان تمتين العلاقات بين الدول في مجال تصدير الطاقة سيزيد من تنوع مصادر الطاقة على الصعيد العالمي وان تعزيز التجارة بين الدول يزيد من الفرص الاقتصادية في العالم، والدول الغربية ترغب في ان لاتقوم روسيا والصين بممارسة الضغط على جيرانهم.
واخيرا يمكن القول ان روسيا ستفقد مكانتها كقوة كبيرة اذا لم تستطع الحصول على مصادر تمويل جديدة لتنمية اقتصادها، ان امام روسيا والصين فرصاً من اجل تعزيز التعاون بينهما في مجال الطاقة والتجارة وغيرها من المجالات ولكن اتباع مسارات متباعدة عن بعضها البعض في السياسة من قبل البلدين يمكن ان يؤجج الخلافات التاريخية بينهما ويؤثر سلبا على مجالات التعاون على المدى البعيد.