الوقت-عند كلمة "جاسوس" فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو مجموعة من العمليات اللوجستية والتشغيلية المعقدة؛ غير أنّ "الفن" الجديد للتجسس بات يعتمد في جزءٍ منه على المعلومات البسيطة وحتى التافهة، حيث باتت جميعها تُشكل أدواتاً مهمة للعمل الجاسوسي التي تستخدمها وكالات الاستخبارات العالمية.
التجسس من خلال القضايا البيئية
ويمكنك أن تتصور أنّ تاجراً يبيع الأقنعة المضادة للغبار والهواء الملوث، ونتيجة لوجود بحيرة كبيرة لم يعد الناس بحاجة إلى تلك الأقنعة الأمر الذي سبب كساداً في تجارة ذلك التاجر، ودفعه إلى العمل على تجفيف تلك البحيرة من خلال بعض الإجراءات ما سيعيد الغبار والهواء الملوث إلى ذلك المكان وفي النتيجة سيعود عليه الأمر بمرابح عالية.
لكن العملية التجسُسيّة ليست بهذه البساطة، فإنّ العمل على تجفيف تلك البحيرة من شأنه أن يُخرج معلومات مهمة عن الغابات، المياه، الموارد الطبيعية، أنواع النباتات والقضايا المناخية، وجميعها تُشكل معلومات مهمة لوكالات الاستخبارات باعتبارها معلومات قيِّمة يمكن استخدامها سياسياً وأمنيّاً على نطاقٍ واسع ضد البلاد.
وقبل بضع سنوات، نُشِرَ على الإنترنت معلومات ظاهرها خيّرة، حيث طلب من الإيرانيين وضع اللعاب في وعاء زجاجي وإرساله إلى خارج البلاد وذلك للمساعدة باستكمال قاعدة البيانات الخاصة بعلاج مرضى السرطان؛ ليتبيّن فيما بعد أنّه مشروعٌ من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية، الغرض منه جمع المعلومات المهمة وراثياً عن الإيرانيين.
ومن خلال هذه المعلومات يمكن لأجهزة الاستخبارات تلك أن تُقيّم درجة المقاومة أو الضعف لدى سكان البلد من وجهة نظر وراثية، بالإضافة لإدارة النظام الصحي الإيراني، والنتيجة أن تلك الأجهزة ستتمكن من تصميم الفيروسات والأمراض الخاصة بالشعوب مثل فايروس "زيكا".
التجسس باسم المؤسسات الخيريّة
في السنوات الأخيرة، كانت "الأمراض" جزءاً أساسيّاً من أسلحة التعامل مع الأعداء وحتى القيام بمذابح جماعية بحقهم؛ حيث إنّ تلك الأمراض التي تُنتَج بواسطة البشر هدفها التمكن من أعدائهم وتحقيق أهدافهم عاجلاً.
وعلى سبيل المثال؛ فإن أصل مرض "الإيدز" الذي يُعدُّ أحد أسرار العالم الطبي، ظهرت حالة من الرفض للفرضيات التي تتحدث عن أصل هذا الفايروس الخاص بهذا المرض الرهيب، حيث بدأ الحديث عن نظرية جديدة تسمح بالتدخل البشري في إنشاء هذا الفايروس وانتشاره.
كيف يتم استخدام هذه الأمراض؟
للجواب على هذا السؤال ينبغي البحث في بعض الأنشطة البحثية والبيئية، فيمكن لفريق يعمل في المجال الإنساني والبيئي أن يدخل إلى أي منطقة في بلد ما؛ وأخذ عينات من المياه والتربة والأنواع العشبية والحيوانية في تلك المنطقة، الأمر الذي يُتيح للخبراء الجينيين تحديد نوع الفيروس الذي يمكن استخدامه ضد الهدف المقصود.
واستناداً إلى تلك الحقيقة، يمكن لعلماء البيئة أيضاً أنّ يقوموا بتحديد أو تعطيل هيكل دورة المياه في بلد ما، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى استهداف منطقة محددة في بلد ما؛ وذلك من خلال تطبيق إجراءات ذكية للوصول إلى الأهداف في المنطقة المستهدفة، ويؤكد الخبراء على أنّ "الحرب البيولوجية" ليست بعيدة عن "الحرب البيئية" وربما تُعادلها خُطورة، ويبدو أنها "ممولة دولياً" وهي في الواقع مشروع سياسي بين دول العالم ذات النفوذ.
تكامل التجسس مع أنشطة المنظمات غير الحكومية
تقنية الـ "GEOINT"، واحدة من التكنولوجيا الحالية في العالم التي تستخدمها وكالات الاستخبارات العالمية لتتبع المعلومات، حيث تسمح هذه التكنولوجيا واستناداً إلى صور ملتقطة لسطح الأرض من أماكن مختلفة؛ بدراسة التغييرات التي أجراها البشر في تلك المناطق، ولسنوات عديدة؛ تم مسح سطح الأرض في مواقع مختلفة، عن طريق تحديد الأقمار الصناعية، وتمّ تشكيل نموذج عام لكوكب الأرض بأكمله، ومن خلال تقنية الـ "GEOINT" يمكن التعرف على أيّ تغييرات طرأت على أي مكان في العالم.
وبتحليل تلك الصور، يمكن استخلاص أي تغيرات ناجمة عن عمل الإنسان في منطقةٍ ما، كتشييد الطرق، الأنفاق، أو أي تغييرات أخرى، وعلى سبيل المثال، فإن بناء مدن الصواريخ من شأنه إحداث بعض التغييرات على شكل الأرض حول مناطق البناء، وهذه التغييرات قد لا تكون ظاهرة في صور الأقمار الصناعية، لكن ومن خلال الصور المأخوذة من زوايا منخفضة، مثل بعض الكاميرات التي يستخدمها بعض نشطاء المؤسسات الخيرية والشخصيات الأكاديمية والمنظمات غير الحكومية، يمكن أن تُشكل هذه الصور كنزاً كبيراً لوكالات الاستخبارات العالمية.
وفي الختام يمكن القول بأنّ التجسس تحول من عملية أمنية بحتة إلى عملية اجتماعية وإنسانية، طبعاً مع التركيز على المعلومات الاستراتيجية والمعلومات العسكرية والأمنية الكلاسيكية، وذلك بناءً على المعلومات العامة والاتجاهات الاجتماعية في مختلف البلدان، حيث يستند عمل أولئك الجواسيس على المنظمات غير الحكومية من خلال القضايا الاجتماعية كالبيئة والتعليم والمعتقدات التقليدية والمحلية.