الوقت- علمتنا السياسة المعاصرة أن لكل "دولار" ثمن، وأن الاقتصاد يلعب على وتر السياسة والعكس صحيح، وهذا ما يُرسم للمشهد العراقي كما يبدو.
-اعلان 950 شركة عالمية مشاركتها في مؤتمر الكويت الدولي لإعمار العراق الذي سيعقد في الثاني عشر من شباط / فبراير المقبل، حسب الهيئة الوطنية العراقية للاستثمار، مؤكدا رئيس الهيئة "سامي الاعرجي" ان المؤتمر سيشهد مشاركة دولية واسعة على رأسهم ممثلي البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
توقيت الاعلان الدولي عن مد يد العون لبغداد له دلالاته، خاصة وأنه بالتزامن مع قرب الانتخابات البرلمانية العراقية، مرحلة مفصلية يمرُّ بها العراق من دون شك، مرحلةٌ بعد سنوات من الحرب على الإرهاب.
ألف سؤال وسؤال يراود الشارع العراقي، وجملة من علامات الاستفهام تترنح أمام عيون العراقيين نخبة وجمهورا ازاء السخاء الدولي والامريكي المفاجئ، والكرم العربي تحديدا، فلم يعتد ابناء الرافدين على عسلٍ خالٍ من السُم.!
هكذا يقال، فقبل الحديث عن إعمار العراق واصلاح حاله لابد من الحديث عمن أسهم في تدمير البلد وخرابه، وصولا الى ما وصل اليه اليوم، الذاكرة العراقية امتلئت حد التورم من المكائد، ومن دون الحاجة للعودة الى التأريخ البعيد لكننا اذا ما قلبنا الماضي القريب، فأننا سنتعثر بمشهد مأساوي أودى بالبلد مزيدا من الدمار والخراب "داعش" الذي دخل الاراضي العراقية، والقوات الامريكية آنذاك وأقمارها الاصطناعية وكل أجهزة رصدها في سبات عميق، فضلا عما نالته تلك المجموعات المسلحة من دعم ورعاية من بلدان خليجية، يدمر العراق بيد ويعمّر بأخرى.!
اللعبة هنا تشير وبوضوح الى أن خيوط مشهد القرار العراقي المرتقب، تسعى واشنطن أن تحركها بأصابع مزركشة بالدولار، ان لم تتمكن من ادارتها بنفسها، فانها تستخدم ورقة الخيرين من شركات الاستثمار والاعمار.!
وخير برهان على ما ذكرنا هو تسارع الخطوات الامريكية الاخيرة بمد جسور التعاون الاقتصادي مع بغداد بعجالة، وكما أعلنت السفارة الأمريكية في العراق بأنّ نائب وزير الخارجية الأمريكي "سوليفان" قام بتشكيل لجنة التنسيق العليا لتعزيز شراكةً طويلةَ الأمد مع العراق والشعب العراقيّ بعد زيارته لبغداد يوم 28 من كانون الثاني المنصرم.
الانتخابات العراقية القادمة تبدو انها مائدة دسمة للأسرة الدولية ولا تنازل عن خوض تاثيراتهم عليها، فالإعلان المتكرر من قبل الإدارة الأمريكية عن عزمها على إرسال وفدٍ أمريكيٍّ يشترك مع المفوضية العليا للانتخابات في العراق ينبئ عن مساع تهدف بلورة مشهد انتخابي عراقي تحت إشراف واشنطن، ويجري الحديث عن مبادرة اخرى تتمحور حول ارسال وفد أمريكي يدير الانتخابات في المدن السنيّة. والحديث هنا يخرج عن دائرة التحليل انما أحداث وتطورات المجريات المعلن منها وتحت العباءة جلها.
بلغة الاقتصاد وعلى طاولة السياسة، يعكس ما بين سطور الواقع بوضوح، ان دخول المئات من الشركات العالمية الى الأسواق العراقية في هذا التوقيت، ستكون له جملة من السلبيات على المشهد العراقي عبر صناع قرار تلك الشركات التي تلعب دور المعمر للبلد، ابرزها ان العراق يمر بأزمة مالية خانقة اذ انه ومن سنوات يدير شؤونه المالية بواسطة القروض، وعلى الجانب الاخر يعتمد المستثرون الأجانب على النفط العراقي، هذا مما يجعل من رؤوس الأموال ان ترسم طبيعة الاقتصاد والسياسة الاقتصادية للبلد، ومتحكما بالخزين النفطي برمته، من استخراجه مرورا بشاكلة استثماره وصولا الى تصديره، لتغطية ما يمكنهم من حجم نفقات عقود صفقاتهم مع العراق.!
التلاعب بمقدرات البلد الاقتصادية ستسهم في شراكة ما بين رؤوس الأموال والطبقة الحاكمة في العراق بشان علاقاته الإقليمية والدولية بما ينفع تلك الشركات، خاصة وان المرحلة سياسيا تمر بمخاض حساس للغاية، فالبلد على وقع متغيرات هامة في الانتخابات المرتقبة.
واذا بدت واشنطن مهملة للاتفاقيات الموقعة ما بينها وبغداد منذ عام 2008، فيبدو انها تسعى لخلق قنوات جديدة ومحركات من نوع اخر تعيد صياغة تلك العلاقة بما ينسجم ومصالحها الحالية وفق متطلبات الساعة، وهذا ما عكسته الخارجية الامريكية من خلال تاكيدها على بناء صفقات جديدة "سيترأس نائب الوزير وفدا مشتركا من وكالات مختلفة للمشاركة في لجنة التنسيق العليا لتعزيز شراكة طويلة الأمد مع العراق والشعب العراقي"
وأضاف البيان : "ان نائب الوزير يعتزم التركيز على توسيع العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والعراق وزيادة الاستثمارات الأجنبية لتسهيل إعادة اعمار العراق بعد 14 عاما من الحرب ومكافحة الإرهاب"
وما بين سطور البيان يشير الى ان هناك نوايا أمريكية برسم سيناريو التدخل في الانتخابات المقبلة تحت مظلة "طويلة الأمد" التي تهدف تعزيز حضورها الاقتصادي المؤثر الى جانب السياسة والعسكرة، ولكل ذلك مآرب أخرى بعد انتهاء ملف "داعش" سيفتح ملف أعقد على أنغام شرايين الطاقة العراقية وجيوب العراقيين.