الوقت- كانت السعودية إلى وقت قريب، وتحديداً قبل اندلاع ما يعرف بـ"الربيع العربي" في أوائل عام 2011، تعتبر نفسها بمثابة الأخ الأكبر للدول الأخرى في مجلس التعاون. وعندما اندلعت الثورة الشعبية في البحرين في 14 فبراير/شباط 2011 أرسلت الرياض قوات عسكرية لقمع هذه الثورة والدفاع عن نظام آل خليفة.
ولكن بعد مرور مدة قليلة ونتيجة الهزائم التي منيت بها في الداخل والخارج فقدت السعودية الكثير من عناصر قوتها، ما أدى إلى بروز قوى العديد من الدول الأخرى في مجلس التعاون التي وجدت الفرصة سانحة أمامها لإقصاء الرياض عن لعب دور المهيمن والمتحكم بشؤون هذا المجلس.
وكانت قطر في طليعة دول مجلس التعاون التي تمكنت من التخلص من سطوة السعودية، ولهذا تعرضت قبل عدة أشهر لهجمة شرسة متعددة الجوانب من قبل الرياض وبعض العواصم الحليفة لها في المنطقة لاسيّما المنامة وأبو ظبي والقاهرة.
وبدأت الأزمة عندما قطعت السعودية والبحرين والإمارات ومصر في 5 يونيو/حزيران الماضي علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر وأوقفت الحركة البحرية والبرية والجوية مع هذه الدولة، متهمة إياها بدعم جماعات إرهابية. الأمر الذي تنفيه الدوحة.
ويبدو من خلال المؤشرات والمعطيات المتوفرة أن الكويت في طريقها لتكرار النموذج القطري بعد أن أبدت الكثير من المواقف المعارضة لسياسة السعودية في المنطقة، خصوصاً ما يتعلق بإدارة شؤون مجلس التعاون.
ومن الأدلة على هذا التطور قيام وزير التجارة والصناعة ووزير الدولة لشؤون الشباب الكويتي "خالد الروضان" والوفد المرافق له بزيارة الدوحة الأسبوع الماضي ولقائه بأمير قطر "الشيخ تمیم بن حمد آل ثاني"، ما أدى إلى توتر العلاقات بين الكويت والسعودية.
واعتبرت الرياض هذه الزيارة بأنها تمثل نوعاً من التحدي لسياستها تجاه قطر الرامية إلى تضيق الخناق على هذا البلد. ووصف رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة في السعودية والمستشار في الديوان الملكي "ترکي آل الشیخ" على صفحته في تويتر الوزير الكويتي بـ"المرتزق"، ما أدى إلى تصاعد حدة التوتر بين الكويت والسعودية، الأمر الذي يعكس مدى الإحباط الدبلوماسي في الأزمة (القطرية - السعودية) التي تحاول الكويت التوسط لحلها. كما تسبب الهجوم السعودي على الوزير الكويتي في إثارة غضب الكثير من الكويتيين.
ويعتقد المراقبون أن موقف "ترکي آل الشیخ" هو انعكاس لموقف ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وذلك في محاولة لابتزاز الموقف الكويتي الرسمي من أزمة حصار قطر، ما قد يعرض العلاقات الكويتية - السعودية إلى أزمة حقيقة في حال واصلت الرياض هجومها الإعلامي على الكويت.
وهجوم تركي آل شيخ على الوزير الكويتي لم يحمل في طياته الانتقام من الموقف الكويتي تجاه قطر فحسب؛ بل أعاد إلى الأذهان تاريخاً طويلاً من العلاقات الحذرة بين البلدين بسبب اختلاف الرؤى والسياسات حيال عدد من القضايا الخارجية والداخلية.
ويرى المعترضون أن كلام المسؤول السعودي ضد الروضان بمثابة إساءة إلى الكويت، كونه يمثل الحكومة والشعب الكويتيين خلال زيارته إلى قطر. وطالب مغردون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الحكومة الكويتية والسفير الكويتي في الرياض برفع شكوى رسمية بحق تركي آل الشيخ.
في هذا السياق أكد الأستاذ الجامعي والخبير السياسي الكويتي "عبدالرحمان المطیري" أن العلاقات الكويتية - السعودية تمر بمرحلة حسّاسة وشائكة، خصوصاً وإن الكويت تسعى للنأي بنفسها عن تبني سياسات الرياض تجاه المنطقة ومن بينها سياستها تجاه قطر.
تاريخ العلاقات السعودية - الكويتية
شهدت العلاقات الكويتية - السعودية توترات في عام 2015 بسبب قرار الرياض القاضي بإغلاق الحقول النفطية المشتركة مع الكويت في منطقة الخفجي الحدودية بين الجانبين، ما تسبب بخسائر مالية ضخمة للكويت، وهو ما أدى إلى فتور في العلاقات السياسية بين البلدين، ووصل الأمر إلى أن أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد جابر الصباح قام بنفسه بزيارة رسمية إلى الرياض لتسوية هذا الموضوع مع الملك السعودي "سلمان بن عبد العزيز".
ويرى الكثير من المحللين بأن الكويت تشعر بأن السعودية تسعى في الوقت الحاضر للتعامل معها كما تعاملت مع قطر، لمنعها من مواصلة سياستها الرامية إلى الاستقلال عن تأثير الرياض على قرارات مجلس التعاون.
وتنظر السعودية للكويت على أنها تميل إلى قطر وتتهمها بالانحياز إلى الدوحة في أزمتها مع الرياض، ولهذا شنّت وسائل الإعلام السعودية هجوماً على الكويت على خلفية هذه الأزمة.
وتجدر الإشارة إلى أن بوادر الأزمة بين الكويت والرياض كانت قد تجلت أيضاً بضعف المشاركة السعودية في قمة مجلس التعاون التي انعقدت في الكويت في كانون الأول/ديسمبر 2017.
ويعتقد المراقبون أن الكويت تبذل جهوداً حثيثة للتعاون مع دول مهمة في المنطقة وداخل مجلس التعاون وفي مقدمتها سلطنة عمان من أجل تشكيل حلف (ولو غير معلن) للوقوف بوجه السياسات السعودية التي تسببت بكوارث عديدة للمنطقة ومن بينها شنّ العدوان على اليمن منذ ثلاث سنوات ودعم الجماعات الإرهابية والتكفيرية في عدد من دول المنطقة والعالم.
والكويت سبق أن أعلنت رفضها الاصطفافات، داعية دول مجلس التعاون إلى الحوار، ما أدى إلى طرح تساؤلات حول العلاقات الكويتية - السعودية المسكونة بالتوتر والقلق على أكثر من صعيد.