الوقت - يمر الاتفاق النووي المبرم قبل عامين ونصف العام بين طهران ومجموعة (5+1) بمنعطف خطير جراء مواقف الإدارة الأمريكية التي تسببت بتوقف الكثير من بنود هذا الاتفاق لاسيّما فيما يتعلق برفع الحظر المفروض على إيران رغم التزامها بتنفيذ تعهداتها في إطار الاتفاق وهو ما أكدته مراراً الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" إلى موسكو ومن بعدها إلى بروكسل في إطار المساعي المبذولة للتوصل إلى تفاهمات بشأن الاتفاق النووي في حال واصلت واشنطن تهديداتها باحتمال خروجها من الاتفاق أو فرض المزيد من الحظر على إيران.
وصرّح ظريف أنه بحث مع نظيره الروسي "سيرغي لافروف" سياسة واشنطن تجاه الاتفاق النووي، باعتبار أن موسكو تمثل طرفاً مهماً وفاعلاً في هذا الاتفاق، فضلاً عن كونها عضو دائم في مجلس الأمن الدولي الذي أيد الاتفاق في قراره المرقم (2231)، فيما أكد لافروف أن بلاده ستدافع عن قابلية الاتفاق للحياة، وهي متفقة مع تقييم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن طهران تفي بالتزاماتها في إطار الاتفاق.
وفي وقت سابق أكد نائب وزير الخارجية الروسي "سيرغي ريابكوف" أن واشنطن تستخدم الاتفاق النووي ذريعة لزيادة الضغط على إيران، وأضاف: "نحن لا نفهم ما الذي لا يناسب الجانب الأمريكي في الاتفاق ومحتواه معروف بشكل جيد، وفي حال كان هناك بحث عن ذريعة لتشديد الضغط على إيران لأسباب لا علاقة لها بالاتفاق، وهذا ما يحصل، فإنه أسلوب لا يتماشى مع وضع دولة عظمى".
وأضاف ريابكوف "نحن لا نرى أي أسباب لتغيير الاتفاق، لأنه متوازن بشكل دقيق، وكل بنوده تستند إلى أسس منطقية".
ومن المقرر أن يلتقي ظريف في بروكسل بمنسقة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغريني" ونظرائه الفرنسي "جان إيف لودريان" والألماني "سيغمار غابرييل" والبريطاني "بوريس جونسون".
في هذه الأثناء أكد المساعد السياسي لمكتب الرئيس الإيراني "مجيد تخت روانجي" أن طهران ستخرج من الاتفاق النووي إذا لم تحقق مصالحها منه، مشدداً على ضرورة أن يعلم العالم الطرف المسؤول عن هذا التصرف في إشارة إلى أمريكا.
وقال روانجي: "إذا أعلنت أمريكا أنها ستخرج من الاتفاق النووي، فهي لن تكون بالنتيجة عضواً في هذا الاتفاق؛ وسيتم بحث تنفيذ بنود الاتفاق مع بقية الأطراف الموقعة عليه ومنسقية الاتحاد الأوروبي"، مشدداً على أن سياسة إيران المبدئية تكمن في أن لا تخرج من الاتفاق في مقابل أن تتلمس آثار رفع الحظر عنها بشكل واضح.
وفي وقت سابق حذّر رئيس المنظمة الوطنية للطاقة النووية "علي أكبر صالحي" في اتصال هاتفي مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية "يوكيا أمانو" من نتائج عدم التزام واشنطن بتعهداتها في إطار الاتفاق النووي.
كما حذّر السناتور الأمريكي "بوب كوركر" ممثل الأكثرية الجمهورية في الكونغرس إدارة الرئيس ترامب من الانسحاب من الاتفاق، مشدداً على أن ذلك سيكون له اثر سلبي على الأزمة النووية في شبه الجزيرة الكورية،
لأنه سيكون من الصعب الاعتقاد بأن أمريكا تلتزم بالاتفاقيات الدولية.
في سياق متصل امتنعت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي "كاترين ري" عن التكهن حول احتمال خروج أمريكا من الاتفاق النووي، مؤكدة بأن موقف الاتحاد الأوروبي واضح وهو مواصلة الدعم للاتفاق وتنفيذه.
وبعد مرو نحو عام على توّلي الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مهام عمله تبلورت لدى المراقبين رؤية تكاد تكون واضحة عمّا يروم القيام به إزاء الاتفاق النووي. فقد صرّح ترامب مراراً بأنه يسعى إلى تمزيق الاتفاق أو تغيير بعض بنوده لاعتقاده بأنه لايصب في مصلحة أمريكا، الأمر الذي واجه رفضاً ملموساً من قبل روسيا والصين ومنسقة السياسة الأوروبية (موغريني) وبدرجة أقل من قبل الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا).
ويؤكد المراقبون بأن تشديد إجراءات الحظر من قبل أمريكا ضد إيران على خلفية برنامجها الصاروخي الباليستي والخلاف النووي لاتستند إلى أسس قانونية باعتبار أن قرار مجلس الأمن (2231) قد أجاز لإيران التجارب الباليستية شريطة أن لا تكون الصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، وهو ما تؤكد طهران الالتزام به، إلى جانب تأييد الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمسك إيران بتعهداتها التي وردت في الاتفاق النووي.
ومن المرجح أن يضع المسار الذي اختاره ترامب الاتفاق النووي في غياهب المجهول ما لم تسارع الدول الأخرى لاسيّما روسيا والصين إلى اتخاذ خطوات عملية للحفاظ على الاتفاق، فيما يبدو أن التعويل على مواقف الترويكا الأوروبية في هذا المضمار لن يساهم في طمأنة المجتمع الدولي باعتبار أن الكثير من العواصم الأوروبية تربطها علاقات استراتيجية مع واشنطن، إلى درجة لا تمكنها من تجاهل المصالح المشتركة حتى وإن كانت على حساب الاتفاق النووي الذي لايمثل لدى البعض سوى ذريعة لإسكات الأصوات المنادية بضرورة تفعيل هذا الاتفاق باعتباره وثيقة أممية تسهم في إعادة الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً وتهيء السبيل لتسوية أزمات أخرى في مقدمتها الأزمة بين واشنطن وبيونغ يانغ بشأن البرنامج النووي والصاروخي لكوريا الشمالية.