الوقت- "الحج والسياسة" أو "تسييس الحج" كلمات ومصطلحات اعتدنا على سماعها بكثرة خلال العقد الأخير نظرا للتعاطي المجحف من قبل السعودية مع حجاج بيت الله الحرام من خلال منع مسلمي بعض الدول من ممارسة مناسك الحج والعمرة وتضييق الخناق على بعضهم الآخر لأغراض سياسية.
وخلال السنوات القليلة الماضية أثبتت السعودية فشلها في إدارة الحج، خاصة بعد كارثة منى وسقوط الرافعة في الحرم الملكي والتي راح ضحيتها عشرات القتلى، يضاف إلى هذا عدم توزيع حصص الحج والعمرة على الدول الإسلامية بصورة عادلة.
وفي السنوات الأخيرة بدأت السعودية تتوسع عمرانيا وبشكل جنوني قرب الأماكن المقدسة الأمر الذي سبب طمس كبير للهوية الاسلامية في مكة والمدينة وقضى على الكثير من تلك المواقع ومسح الوجود الإسلامي فيها.
ونظرا لكل ماذكرناه آنفا وجدت العديد من الدول الإسلامية أن السعودية تجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء في التعاطي مع موضوع حساس لدى كل المسلمين ألا وهو "الحج" معتبرة أنه طفح الكيل بالنسبة لهذه المسألة التي بدأت تخدش الشعور الديني لدى المسلمين، لذلك سارعت العديد من الدول الاسلامية إلى الإعلان عن إنشاء هيئة دولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين والمشاعر المقدسة، أعلن عنها يوم أمس في ماليزيا، ويكمن الهدف الأساسي لهذه الهيئة برصد أي انتهاكات تمارسها السعودية بحق أي مسلم أثناء زيارته للمشاعر الدينية، وذكرت الهيئة أنها تسعى لمنع استخدام الأراضي المقدسة لأغراض سياسية.
ويتيح موقع الهيئة لجميع الزوار متابعة آخر أعمال الهيئة وقراراتها ونشاطاتها باللغتين العربية والانكليزية، ويعرض موقع الهيئة تقارير دورية ترصد انتهاكات السعودية في تسييس العبادات الدينية واستخدام ذلك كورقة ضغط، وما تمارسه سلطاته من تضييق على الحجاج والمعتمرين، وستقوم الهيئة بتحقيقات دورية بشأن استخدام السعودية على مدار مائة عام الأراضي المقدسة لأغراض سياسية ورصد الانتهاكات الميدانية ذات العلاقة، كما وسترسل الهيئة عدداً من موظفيها بشكل غير معلن إلى السعودية بغرض متابعة ما يحدث من تمدد عمراني في مكة المكرمة وغيرها من الأماكن المقدسة لتقييم مدى تأثيرها على المقدسات الدينية وتغيير معالمها التاريخية.
تعاطي السعودية مع موضوع الحج والعمرة
من المؤسف أن المملكة العربية السعودية تربط تعاطيها مع موضوع الحج والعمرة وفقا لمصالحها السياسية وتسقط هذه المصالح على جميع الدول دون تمييز، فنجدها تارة تمنح دولة ما حصص أكبر من غيرها بالحج والعمرة وتارة تمنع مواطني دولة بأكملها من القدوم إلى مكة والمدينة لممارسة طقوس الحج والعمرة، والأمثلة كثيرة على هذا الموضوع، نذكر منها إيران وسوريا واليمن، كما أنها تضغط من خلال الحج على بعض الدول الأفريقية المسلمة لتحصل على مواقف سياسية مقابل فتات من المساعدات الاقتصادية، وهذا الموضوع موثق في صحيفة "لوموند" الفرنسية التي أشارت مؤخراً إلى أن السعودية استخدمت حصص الحجاج وورقة المساعدات المالية للضغط على دول أفريقية ذات أغلبية مسلمة كي تقف إلى جانبها ضد قطر.
ومن اللافت أن السعودية تعاملت مع جارتها قطر بنفس الطريقة، حيث تعدت على حرية ممارسة الشعائر الدينية حيث أنها فُرضت في خضم شهر رمضان وموسم الحج، وتم منع المعتمرين والحجاج القطريين والمقيمين في دولة قطر من استكمال مناسك العمرة، وأداء فريضة الحج الموسم الماضي ما يعتبر سابقة خطيرة والأولى من نوعها. واستمرار منع المواطنين القطريين والمقيمين من أداء العمرة.
وبالعودة إلى الهيئة الجديدة التي تم انشاؤها فقد ذكرت أنها تسعى إلى منع استفراد السعودية بإدارة المشاعر المقدسة بصورة تؤثر على سلامة الحجاج والمعتمرين، وضمان عدم إغلاق المشاعر أمام الزوار لأسباب غير مقنعة، وستعمل الهيئة أيضا على التأكد من أن المملكة توزع حصص الحج والعمرة على الدول الإسلامية بصورة عادلة، وأنها لا تسيس العبادات الدينية.
كوارث انسانية
فشل السعودية في إدارة مناسك الحج فتح الباب على مصراعيه أمام عدة تساؤلات، أهمها: هل بإمكان الدول الاسلامية تحمل هذا الفشل في إدارة الحج ونتائجه الكارثية على الأمة الاسلامية، خاصة بعد الكوارث الأخيرة التي حصلت هناك؟!. وهل سجتمع العالم الاسلامي لمنع السعودية من التفرد في إدارة الحج؟!.
إنّ تكرار الحوادث التي يتعرّض لها الحجاج خلال السنوات الأخيرة من فاجعة منى إلى حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي والتي راح ضحيتها عشرات الحجيج دون التعويض عن أهاليهم أو حتى الإعلان عن الأسباب وراء هذا الحادث ، وما حدث قبل هذا، يؤكد عجز الرياض عن إدارة الحج، بصرف النظر عن السبب قصوراً كان الأمر أم تقصيراً.
ولكن السعودية لن ترضى بأن تقوم جهات أخرى بإدارة الحج أيا تكن هذه الجهات وحتى لو قبلت سيكون رضى شكلي ليس له أي تطبيق فعلي على الأرض كما تفعل الآن مع موضوع القدس، والذي يؤكد هذا الكلام مندوب السعودية في الجامعة العربية، أحمد القطان الذي قال : "إن "المملكة ستبقى الوحيدة المختصة بتنظيم الحج، دون أي تدخلات خارجية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"!.