الوقت- الملك الأردني عبد الله الثاني في وضع لا يحسد عليه. والسلطات الأردنية تعيش اليوم بين مطرقة الضغط الشعبي للانتصار للقدس، وسندان الضغوط السعودية عبر سلاح الاقتصاد.
لطالما كانت الورقة الاقتصادية هي كلمة السرّ في الموقف الأردني الذي اتسم بالخمول خلال السنوات العشر الماضية، ولعلها اليوم كلمة العلن في التشتّت الأردني القائم بين إرضاء الشعب من ناحية، وإرضاء السعودية المؤثرة اقتصادياً في الأردن من ناحية أخرى.
تختلف التقديرات حول الموقف الأردني الفعلي بعيداً عن الدعاية الإعلاميّة، وفي حين يؤكد خبراء أن عمّان ملتزمةً بالتحالف مع السعودية اثر قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب القاضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارة بلادهه اليها، يرى آخرون أن الملك عبدالله أقام جردة حسابات بعد قضيّة "السفارة" خلُص في نتيجتها إلى فتح قنوات جديدة مع دول إقليمية فاعلة، وفي مقدّمتها تركيا.
إختلاف الرؤى لا يفسد في واقع الموقف الأردني قضيّة، ولعله من المناسب التطرّق إلى هذه القضية، واقعها وأبعادها في جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: يرى العاهل الأردني نفسه مسؤولاً عن المقدّسات الدينية، وبالتالي لا يمكن التنازل عن هذا الموقف الاستراتيجي لصالح موقف استراتيجي آخر يتعلّق بالاقتصاد الأردني. بعبارة أخرى، لن يرضى الملك عبدالله بالتنازل عن القدس مقابل بعض الدولارات المقدّمة من جهات إقليمية ودوليّة، لأن هكذا تصرف قديزعزع حكمه.
ثانياً: ظهر توجّه أردني إلى ما بعد الرياض عبر الزيارة الأولى التي أجراها الملك إلى تركيا للمشاركة في القمة حول القدس حيث جلس بجانب الرئيس التركي قادماً من الرياض التي حاولت إغراءاه وتهديده ابتداءً إلا أنه رفض، ليتمّ توجيه رسالة سعودية إلى الأردن عبر كلمة السرّ المعلومة عنوانها رجل الأعمال صبيح المصري.
ثالثاً: حاول الملك الأردني امتصاص الغضب الشعبي عبر مشاركة شخصية في المناورات العسكرية بالذخيرة الحيّة. أراد من هذا الاستعراض العسكري عرض رسائل قوّة تكلّلت بإقالات عسكرية للعديد من الضباط خشيّة أي تحرّك يعكّر صفوة الوضع القائم. لعل أحد أهم أسباب الهبة الملكية إلى جانب الهبة الشعبية هي الخشية من أي تحرّك يخلط الأوراق الداخلية الأردنية على الجميع، وبنتيجة الحال تعزيز أوراقه في الداخل الأردني.
رابعاً: بالغ البعض في الحديث عن التطوّرات السياسية في الاردن بعد التطور القائم في العلاقات مع ايران وذلك خلال إستقبال رئيس البرلمان الاردني عاطف الطراونه السفير الإيرانيّ في عمّان مجبتى فردوسي، الذي اعلن بان امن الاردن من امن ايران ، والتهنئة التي حصلت لسوريا بسبب الانتصار على الإرهاب، وتحدّث عن انضمام هذا البلد المنهك اقتصادياً إلى المحور المقاومة. ولكن الواقع هو محاولة الملك عبدالله تحويل التهديد السعودي الذي سمعه بشكل غير مباشر من الملك السعودي، وشاهده بأم العين في قضيّة المصري، إلى فرصة عبر فتح قنوات على أطراف عدّة تضعها السعودية في قائمة الأعداء العلنيين كايران وسوريا، وغير العلنيين كتركيا، أي امتلاك المزيد من أوراق الضغط على السعوديّة.
خامساً: التحوّل في الموقف الأردني يلقى رفضاً سعودياً قاطعاً، إلا أن أوراق القوّة التي جمعها الملك عبدالله في الايام الأخيرة ستدفع بالسعوديّة للتروي قبل أي قرار متهوّر يتّجه بعمّان نحو قطر وتركيا لتصبح السعوديّة محاصرة من ثلاث جهات: قطر، السودان والأدرن. أي أن السعوديّة بعد أن كان محاصر (بكسر الصاد) ستصبح دولة مُحاصر(بفتح الصاد) من قبل تركيا وقطر.
الملك الأردني كبالع الموس، عينه على الورقة الاقتصاديّة، إلا المقابل هو أكبر بكثير، وبالتالي لا خيار له سوى الوقوف إلى جانب الفلسطينيين وحماية المقدّسات التي هي في عهدته أساساً بعيداً عن الخيانات والضغوط العربية عليه. بعبارة أخرى، يبدو جلياً أن العلاقة الاردنية – السعودية تمر بحالة فتور غير مسبوقة ولكن الاردن لن يعمد إلى الانتقال لمحاور أخرى حفاظاً على الملف الاقتصادي، ولكن دون التنازل عن القدس.
نجح الملك عبدالله جزئياً في تحويل التهديد الأخير إلى فرصة وإدارة الصراع على دفتيه الفلسطينية والسعودية، دون أن يتخاذل تجاه الأولى او يخسر الثانية، فكيف ستردّ الرياض؟