الوقت- فجّر وزير الخارجية المصري، سامح شكري حول أمل بلاده في عودة العلاقات مع تركيا. شكري الذي أشار إلى أنّ القاهرة منفتحة ولديها رغبة دائمة في تجاوز أي توتر، حفظ خط العودة في تأكيده على عدم تغير الموقف التركي من النظام المصري.
تأتي بوادر التقارب المصري التركي في ظل إشارات إيجابيّة سابقة بدأت بتصريح كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العام الفائت على عدم وجود "أي عداء بين شعبي مصر وتركيا"، الذي جاء ردّاً على كلام رئيس الحكومة التركي بن علي يلدريم، بأن أنقرة ترغب بتطوير علاقاتها بالقاهرة ، ومرّت عبر إعلان تركيا حالة الحداد لمدة يوم واحد تضامنا مع ضحايا الهجوم على مسجد "الروضة" في سيناء، وكذلك تأكيد أردوغان أن "تركيا تقف إلى جانب الشعب المصري الشقيق، وتشاطره ألمه"، لتصل إلى ملف القدس حيث شكّل قرار ترامب أرضية مناسبة للعودة العلاقات بين البلدين، كون الرئاسة التركية أحالت مشروع القرار المصري في مجلس الأمن حول القدس إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في إطار ردها على الفيتو الأمريكي. بدا الوزير المصري يحاول تجيير المسألة تحت مظلة القدس بغية "جس النبض" لدى الرأي العام المصري وإرسال إشارة إيجابية باتجاه تركيا، ولو أنه لم يذكر "القدس" بالكلمة، بل هذا ما انطبع في ذهن الكثيرين.
لا شكّ أن التقارب بين أنقرة والقاهرة، بعد سنوات على تصاعد التوتّر منذ إسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين والرئيس الأسبق محمد مرسي عام 2013، سيكون على حساب أطراف دوليّة وإقليميّة عدّة، وهنا يمكن اختصار أبعاد كلام شكري الذي شارك مؤخرا في قمة المنظمة بإسطنبول حول قضية القدس المحتلة، رغم مغادرته لجلسة تسليم مصر قيادة منظمة التعاون الإسلامي بمجرد تسليمه رئاسة المؤتمر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان دون مصافحته، يمكن اختصارها بجملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: نعتقد أن تركيا ستتلقّى الرسالة الإيجابيّة من الوزير المصري وإن أبدت نوعاً من الحرص على جماعة الإخوان المسلمين. قد نكون أمام سناريو تركي مصري مشابه لنظيره السوري التركي، رغم وجود العديد من الفروقات، فمن كان يتصوّر أن تركيا ستتراجع عن موقفها من الرئيس بشار الأسد بعد أن كان الرئيس أردوغان ينوي الصلاة في المسجد الأموي. وربّما ترعى روسيا الطامحة لدور إقليمي كبير هذا التقارب كما فعلت في سوريا، مستفيدةً من علاقاتها القوّية مع كلا الجانبين.
ثانياً:هناك تحرّك تركي لتعزيز عجلة الاقتصاد بعد فترة من الركود سواء بسبب هجمات داعش، الوضع مع الأكراد أو حتى فتور علاقاتها مع العديد من الدول. تركيا ورغم خفص تمثيلها الدبلوماسي مع مصر، وهو ما ردّت عليه القاهرة بالمثل، أبقت على نشاطها التجاري مع بلد الـ90 مليون، لا بل شهد هذا الملف تنامياً لافتاً تمثّل بزيارات متبادلة بين البلدين.
ثالثاً: حاول شكري تهدئة الأوضاع مع أنقرة قبيل الانتخابات الرئاسية في مصر العام المقبل، مشيراً إلى أن الوضع ليس بالوتيرة السابقة، ونستمع من حين لآخر لرغبات بعض المسؤولين الأتراك للتقارب" رغم اعترافه أن "الأوضاع مع تركيا ما زالت على ما هي عليه". أي أن كلام شكري تضمّن رسالة ثنائية الأولى هي رسالة التقارب، والثانية هي شرط هذا التقارب الذي قاله الوزير المصري بصراحة:"مصر تؤكد الرغبة على تجاوز أى توتر، على أساس مبادئ عدم التدخل بشؤون مصر الداخلية، وعدم الإساءة لها".
رابعاً: نتيجة لهذا الأمر يُفترض أن تتغاضى تركيا قليلاً عن قضيّة جماعة الإخوان المسلمين تماماً كما فعلت مع ما أسمتها بـ"الثورة السوريّة"، مقابل أن تضع مصر ما يعرف إعلامياً بقضية "التخابر مع تركيا" في الأدراج المغلقة، بالتزامن مع تخفيف الإعلام المصري المحسوب على السيسي لهجماته تجاه الرئيس أردوغان.
على حساب من؟
لا نعتقد أن الأمر سيقتصر على الجانبين التركي والمصري، بل سيطال أطراف أخرى، وفي مقدّمتها أمريكا والسعوديّة، التي سيحاول كل منها التهديد بأوراق القوة التي تمتلكها مع مصر، بالتزامن مع اللعب على وتر الخلافات بين البلدين في قضّية الرئيس السابق محمد مرسي، والتخابر مع تركيا.
أمريكا ستعمد إلى تقليص المساعدات أو التلويح به تماماً كما فعل ترامب منتصف العام الجاري عبر خفض بعض المبالغ المخصصة للقاهرة في إطار برنامج المساعدات، وكذلك كشف مجلة "فورين بوليسي" وثائق داخلية "حساسة" للخارجية الأمريكية، تتضمّن سعي إدارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب تقليص المساعدات لمصر بنحو 50%.
وأما السناريو السعودي سيكون أكثر "إثارة" حيث قد تبدأ الهجمات الإعلاميّة والردود المتبادلة من الإعلام المصري، لنرى تلويح سعودي بسحب الاستثمارات من مصر، يليها قرار من المحكمة الدستورية العليا، يقضي بمصرية تيران وصنافير في الجلسة المحدّدة في13 يناير المقبل، قرار سيدعمه السيسي بغية تعزيز أوراقه الانتخابيّة، إلا أنّه سيفجّر العلاقات مع السعوديّة.
في الخلاصة، لا نعتقد أن تصريح شكري يهدف لتثبيت التعاون الاقتصادي حصراً، رغم أنّه أحد أبرز الأهداف، بل هو أبعد من ذلك ويأتي تكريساً للتهدئة المتبادلة بين الجانبين، خلال الفترة الماضية، فهل سيكون هذا التقارب مقدّمة لتشكيل ترويكا إقليمية جديدة عنوانها "مصر-تركيا-ايران"؟