الوقت- في الفترة التي تلت
الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي اللبنانية على وقع عمليات المقاومة التي قادها حزب
الله في الجنوب اللبناني، بعد العام 2000 ساد خطاب سياسي لبناني داخلي حول وضع
الحزب بعد " زوال الخطر الاسرائيلي".
فلم يطب لجهات سياسية لبنانية أن تعرف حتى اعترافا بالفضل الكبير لحزب الله في
تحرير الاراضي اللبنانية التي تتبع لسيادة الدولة المفترض ان تصون استقلالها
وحدوها وتدافع عن شعبها وجغرافيتها بجيشها الموكل اليه تأدية هذا الواجب.
ومع الأسف فإن الاعتراف بفضل الحزب حصل بلسان ضباط الجيش الاسرائیلی وسياسييه عبر
تصريحات تعترف بطعم الهزيمة التي ذاقها الكيان الصهيوني في لبنان على يد الحزب على
مدى سنوات من المقارعة والمقاومة لم يوفر فيها الحزب لا دما ولا امكانيات في سبيل
تحقيق هدف الدفاع عن لبنان شعبا وارضا.
حملة المظلوميات التي بدأت تكشف عن سيناريو واضح المعالم تقوده الولايات المتحدة
لاستهداف الحزب عبر السياسة الداخلية وجره الى مستنقع الداخل لاشغاله عن وظيفة
التصدي للاطماع الاسرائيلية التي لم تنكفئ عن خرق السيادة اللبنانية ولم تغيب عن
عيونها الطامعة رغم الانسحاب مجريات الداخل اللبناني بكل جوانبه الامنية والسياسية
والاقتصادية والاجتماعية. الحملة الامريكية التي قادها سياسيون لبنانيون باتوا
اليوم مشخصين، بدأت بالتزايد نحو اعتبار الحزب بأنه دولة ضمن الدولة في اشارة الى
ان مهمة الحزب انتهت وعليه ان يسلم السلاح وينخرط في وحول السياسة الداخلية
اللبنانية الكفيلة بقتل القيم التي يتبناها الحزب ويركز على تثبيتها ونشرها ثقافة
اطلقها الحزب بلسان امينه العام انها قوة لبنان في قوته وليس في ضعفه، وقوة لبنان
في المعادلة التي تملك تجربة رائدة عبر لحمة ثلاثية هي الجيش والشعب والمقاومة.
ومع فكرة الدولة ضمن الدولة التي اتهم فيها الحزب، وتاريخ ماض ليس ببعيد من
المكائد التي حيكت لجر الحزب نحو اقتتال داخلي وتضييقات سياسية وامنية بلغت ذروتها
في عام 2006، حيث فشلت كل المحاولات لذرء الحزب عن مهمة التصدي للكيان الاسرائيلي
واطماعه، فكانت الحرب البديل الاخير حيث شنت حرب عالمية على حزب الله لم تنقضي الا
بانتصار مدو واستراتيجي للحزب ما زالت تداعياته حتى هذه اللحظة ثبت فيه الحزب
معادلة ردع فعالة سخرها لقتل الأمل الاسرائيلي بتنفيذ اطماعه في هذا البلد الند. ومع
سجل البطولات التي يعترف بها الكيان الصهيوني عدو الحزب الأول قبل الصديق،
يستكمل الحزب وسط تغييب قصري لدور الجيش اللبناني عبر شل القرار السياسي الذي يغطي
الجيش ويعطيه تفويضا للقيام بمهامه العسكرية، واقع ادى الى حدوث شلل حقيقي في
المهمة الوظيفية للجيش اللبناني، تحول معه الجيش الى مجرد قوة مأمورة بالتدخل في
الزواريب اينما وجدت التيارات السياسية مصلحة في ذلك.
واقع الجيش الذي وصل الى مجرد مجموعات كشفية لا تملك قرار الفعل، واكبه تطورات
داخلية لبنانية خطيرة على اثر الازمة السورية ومسلسل الارهاب الذي ضرب المنطقة منذ
ما يقارب السنوات الاربع الماضية، وهو ما شكل تحديا كبيرا جدا امام الجيش الذي يقع
عليه المسؤولية الاولى في الدفاع عن لبنان شعبا وارضا. ولكن الانقسام السياسي وصل
الى حد استفادة الاطراف السياسية اللبنانية من تواجد الارهاب في مناطق داخل لبنان،
لا بل الانخراط في دعم وادارة وتأمين حماية للخلايا الارهابية من اجل ان تكون هذه
القوة حاضرة لتأدية مهمة المواجهة مع حزب الله في اي مرحلة تتطلب جر الحزب الى
الاقتتال الداخلي لاستهدافه من الداخل واشغاله عن الصراع مع الكيان
الاسرائيلي.
واقع الدولة اللبنانية بتيارات سياسية وازنة على الساحة اللبنانية كحزب المستقبل
والقوات اللبنانية والحزب الاشتراكي، التي تنخرط علنا في مشروع اسقاط النظام
السوري، قابله سلوك اخر من الجبهة المقابلة التي تنطلق من رؤية مختلفة تماما في
مقاربة الامور والتصدي للاخطار التي تحيط بلبنان وتكاد للمنطقة. فالحزب الذي لا
ينتظر من احد اوامره، أدرك باكرا حجم المؤامرة التي ينخرط فيها بعض التيارات
الداخلية ومن دون اذن احد، تولى مهمة الحفاظ على الامن اللبناني مجددا، متعاليا عن
الشلل المتعمد الذي يراد للمؤسسة العسكرية اللبنانية، وعلى وقع استغاثة لبنانيين
على الحدود مع سوريا طالهم الارهاب القادم الى المنطقة حينها بلباس ظلامي مرعب،
افتتح حملة الدفاع عن لبنان مجددا دون اي تأخر وتململ وانطلق في تطهير القصير التي
عجز النظام السوري المنشغل في حروب دموية عن التمكن من الحفاظ عليها، وانطلق شيئا
فشيئا للانخراط في حملة الدفاع عن المنطقة عبر منع سقوط عمود من أعمدة الاستقرار
الا وهي النظام السوري.
وفي حملة الدفاع المقدس التي يقوم بها الحزب، وفي اخر الجولات القتالية مع قوى
الظلام التكفيرية، التي ما زالت قائمة في مناطق القلمون الحدودية بين لبنان وسوريا
حيث تتموضع القوى التكفيرية في منطقة تشكل خطرا استراتيجيا على الدولة اللبنانية
بأكملها حيث تتحكم بالحدود الشرقية لبنان التي تربطه مع سوريا، وتمارس عملا امنيا
وعسكريا يعرض الدولة اللبنانية لخطر الانهيار الحتمي في حال استمرار الامور على ما
هي عليه قبل شهور قليلة. لكن الحزب من جديد بدأ في حملة التصدي للارهاب عبر بتر
اصابعه الممتدة عبر سوريا الى لبنان وبالتالي ابعاد خطره عن لبنان الراسخ تحت ضعوط
امنية واقتصادية واجتماعية خطيرة منذ ان سقطت المنطقة تلك بأيدي العصابات
الارهابية التي تلقى الرعاية والتغطية من بعض التيارات الداخلية اللبنانية.
مرة جديدة يقوم حزب الله
الحزب المفترض ان يشابه غيره من التيارات السياسية اللبنانية، يتقاسم معهم هذا
الهم عبر اداء دور سياسي يؤدي الى تفعيل حماية البلد والنهوض على كافة المستويات،
لكن التقاعس الكبير لبعض التيارات السياسية لا بل انخراطهم في مشاريع خارجية خطيرة
جعل من الحزب المسؤول درعا واقيا للبنان وصخرة صلبة على اعتابها تتكسر المؤامرات.
فحزب الله الذي يبذل دماء شبابه في القلمون ويحمي لبنان من الانهيار نتيجة لعبة
خطيرة تمارسها تيارات سياسية مشبوهة الدور والحركة، يقود من جديد حربا لتحرير
لبنان من الكيان الاسرائيلي بنسخته التكفيرية، ويبدع في تحمل مسؤولية كبيرة لحزب
كبير، ويقوم بدور شريف لا يلقى ترحيبا من بعض التيارات الداخلية السياسية لكنه
يلقى قبولا واسعا جدا في الوسط الشعبي اللبناني. فتيار المستقبل الذي يكذب على
قاعدته الشعبية التي تستهدف من التكفير كحال اي طيف لبناني اخر، بات امام واقع
محرج جدا، واقع يفصل بين اراء القاعدة الشعبية للمستقبل التي ترفض الارهاب
والتكفير رفضا قاطعا وبين ممارسة لقادة سياسيين موتورين ينخرطون كالعبيد في لعبة
الاسياد لتأدية دور خطير جدا ليس الا انتحارا فواقع الارهاب الذي يسود المنطقة
ونتاجه لا يبرر التواجد للاجتهاد في التفسير ولا يسمح لاي مغامر في تبني مشروعها
في اي شكل من الاشكال. واما الحزب الاشتراكي، وعلى وقع مجزرة طالت الطائفة الدرزية
الابية في سوريا، مجزرة اظهرت ان الارهاب والتكفير لا يمكن مهادنته ولا يمكن
امتطاء الحياد امامه، فوليد جنبلاط بات اليوم محرجا في خطابه للطائفة الدرزية
للانخراط في مشروع اسقاط النظام وبالتالي الوقوف في صف الغادرين التكفيريين
الذباحين. وأما حزب القوات اللبنانية، الذي ينخرط في لعبة تكاد تنحصر بشخص سمير
جعجع الذي يعاني من معارضة قوية جدا لخطاباته وتوجهاته من قبل النخب الحزبية
والكتل الشعبية الموالية والمنتمية لحزب القوات، حيث لم تكف معلولة وحوادث الابادة
للطائفة المسيحية على امتداد المنطقة من قبل التيارات التكفيرية لاقناع جعجع بأن
حزب الله بات يحوذ على تأييد داخل حزب القوات اللبنانية في مسألة القتال ضد
الجماعات التكفيرية اكثر من سمير جعجع نفسه واراؤه ويعكس هذا الكلام التنسيق
الحاصل بين الحزب والقرى التابعة للقوات اللبنانية في مناطق الاشتباك على الحدود.
وسط هذا الواقع الذي يوضح حجم المؤامرة التي اوصلت بعض السياسيين الى عدم مراعاة قواعدهم الشعبية ومصالحها وتقديم مصلحة الاسياد السعوديين والامريكيين والاسرائيليين على كل اعتبار، واقع لا يعبر عنه الا بالجنون الذي يدفع بهؤلاء الى الانتحار نزولا عند طلب الاسياد، فكم من عبيد هم وأي مصير ينتظر ساسة ستلفظهم قواعدهم الشعبية التي يفترض ان يعبروا عنها ويحملوا همومها.
وأي بريق يشقه الحزب الراسخ
بصدق دماء شبابه، بريق لا يخرج شكرا من فم المتآمرين المتضررين بل سيظهر على لسان
اغلب اللبنانيين بعيد انتهاء معركة تحرير الحدود اللبنانية ليس بأيد الجيش
اللبناني انما بأيد حزب الله المشروع الايراني المزعوم الذي يواجهه اسياد الحرية
المدعين عبيد المشروع الاسراامريكي السعودي الى ابعد حدود.
فی ظل ما سبق جواب على سؤال من هي الدولة ومن هو الحزب ؟؟ فالحزب أصبح يعبر عن
دولة بكامل اطيافها والدولة المزعومة ليست الا جماعة من المجرمين المتحزبين
للارهاب في واقع يومي وسلوك واحداث لم يعد للستر فيها مكانا تحكي عن نفسها، فعلى
من يطبق مفهوم الدولة ضمن الدولة !!