الوقت- شكّل تهديد ترامب للقدس فرصة لالتئام محور المقاومّة. المحور الذي نجح خلال السنوات الماضيّة بالدفاع عن أسوار دمشق وحدائق بغداد، باتت قوّاته تولّي وجهها شطر المسجد الأقصى.
ترامب ومن خلال قراره نقل السفارة ارتكب حماقة تاريخية، والاحمق يريد أن ينفعك فيضرّك، هذا الضرر على الكيان الإسرائيلي سيتمثّل في التئام محور المقاومة بعد السنوات العجاف عبر استراتيجية فلسطين التي ستمرّ عبر طرق عدّة. ولعل هذه الطرق تعيدنا إلى ما قاله السيّد نصرالله في العام 2015، وكان وقعه ثقيلاً على الكثير ممن انتقدوا "تدخّل" حزب الله في سوريا ومواجهته للجماعات التكفيرية: إنّ طريق القدس يمرّ من سوريا، يمرّ من القلمون والزبداني ودرعا.
وبالفعل، يبدو أن طريق القدس يمرّ من سوريا والعراق حيث تشكّل الجماعات التي حاربت تنظيم داعش الإرهابي النواة الأولى للمنازلة الكبرى مع الكيان الإسرائيلي، فإذا كان قرار الجمهوري بوش باحتلال العراق شكّل النواة الأولى لظهور المقاومة العراقيّة التي انتهت بتأسيس الحشد الشعبي وتحرير العراق من دنس الاحتلالين الأمريكي والداعشي، فإن قرار الجمهوري ترامب تجاه القدس سيكون الشرارة الأولى لمقاومة عربيّة-اسلاميّة كبرى تنتهي بتحرير القدس من دنس الاحتلالين الأمريكي والصهيوني.
ويبدو أنّ محور المقاومة سيدخل هذه المنازلة الكبرى بمعنويات مرتفعة جدّاً سبّبتها الانتصارات المتلاحقة في الميادين السوريّة والعراقيّة، وهو ما ظهر بالأمس في كلام السيد نصر الله الذي ردّد شعار صدحت به حنجرة "ابو عمار" والشعب الفلسطيني: " للقدس رايحين شهداء بالملايين".
بعد كلام السيد نصرالله، بدأ قائد قوّة القدس الإيرانيّة اللواء قاسم سليماني بخطوات تصبّ في الاستراتيجية الكبرى تمثّلت باتصاله بقيادة "الجهاد الإسلامي" و"حماس" ليؤكد جهوزية كافة حركات المقاومة في المنطقة للدفاع عن المسجد الأقصى، ودعم إيران الكامل والشامل لقوّات المقاومة الفلسطينية، وأيّ انتفاضة ثالثة تعيد فلسطين إلى موقعها.
فلسطين عابرة للمحاور
لا نعتقد أنّ دعوات التوحّد تحت مظلّة القدس يجب أن تنحصر داخل محور المقاومة، بل يجب أن تطال الشارعين العربي والإسلامي بشكل كامل. فرغم أنّ دعوات الأيام القليلة الماضية تركّزت على محور المقاومة، إلا أنّها تطال كل شريف يسعى للدفاع عن أولى القبلتين وثاني المسجدين، وبالتالي فإن الدعوة في الحقيقة هي دعوة لإلتئام الجميع حول "محور القدس". فكما يتوجّب على فتح وبقيّة الفصائل التوحّد تحت القضيّة والترفّع عن الخلافات، لا بدّ لجميع من يرون في فلسطين قضيّة لهم أن يتوحدوا تحت رايتها مهما كانت الخلافات، فالقدس تجمعنا.
لا ينكرنّ أحد وجود خلافات وصراعات محاور في المنطقة، إلا أنّ اختبار فلسطين يضع الجميع على السكّة، إمّا سكّة فلسطين أو سكّة الكيان الإسرائيلي، فلم يعد هناك إمكانية للإمساك بالعصا من الوسط في ظل الظروف القائمة كون ترامب وضع الكثير من القيادات العربية في عنق الزجاجة عبر قراره السافر، فما هو موقفكم يا عرب ومسلمين؟
محور المقاومة، ومن قبله الشعب الفلسطيني، أجابوا على السؤال السابق، لتبقى الإجابات على هذا السؤال من قبل أطراف أخرى مجهولة حتّى الساعة. هل هناك من لا زال يعوّل على الحل السياسي بعد نسف ترامب لـ"الدولتين"، ألم يقتنع هؤلاء أن هذا الطريق الدبلوماسي لا طريق له لاستعادة شبر واحد من أراضي فلسطين؟ ألم يقتنع هؤلاء أن الحلّ الوحيد يتمثّل بالدخول في مسار صحيح عنوانه دعم فصائل المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟
تتطلّب المرحلة اليوم تناسي الخلافات، أو وضعها جانباً في المرحلة الحاليّة، والتوحد تحت راية فلسطين لأنّ القضيّة الفلسطينية عابرة للحدود والمحاور. لقد وضع قرار ترامب الأمّة في اختبار حقيقي يبين فيه الخبيث من الطيّب، والطيب هو من يقف إلى جانب فلسطين التي تقبع في قلب كلّ عربي ومسلم، فكل العالم الإسلامي فلسطين وكل فلسطين القدس.
يبقى الرهان، كلّ الرهان، على موقف الشعب الفلسطيني الذي يعدّ الحجر الأساس للمرحلة المقبلة التي أرادها ترامب بداية النهاية لفلسطين، إلاّ أنّها تبدو بداية النهاية لإسرائيل.