الوقت- "طعنة في الظهر" هذا أقل ما يمكن قوله عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مع أكراد سوريا الذين خذلتهم واشنطن كما خذلت أصدقائهم في كردستان العراق متعهدة لتركيا بوقف تسليحهم والتلويح بوقف تقديم أي دعم لهم، وهذا ليس بالجديد على امريكا وسياستها مع الاكراد، والتاريخ حافل برفع الغطاء الأمريكي عن الاكراد في أحلك الظروف.
ولحسن حظ الأكراد أنهم امتصوا الطعنة الأمريكية وبدأو يبحثون عن حلول ومخرج للورطة التي وضعتهم فيها واشنطن، قبل أن تغدر بهم أمريكا على غرار ما فعلت مع أشقاؤهم في العراق، ولهذا السبب اتجه أكراد سوريا نحو جنوب غرب البلاد أي نحو دمشق للخروج من الوحل الأمريكي الذي لم يجلب لهم أي فائدة تذكر سوى "الوهم والوعود الفارغة"، ومن هنا جاء كلام الرئيس المُشترك لمَجلس سوريا الديمقراطيّة، رياض درار، متناغما مع ما ذكرناه ليصرح لشبكة "رووادو" الكردية الأحد الماضي "أن قوّاته ستَنضم للجيش السوري الذي سيَتكفّل بتَسليحِها عندما تتحقّق التسوية السوريّة".
أدرك الأكراد خطورة المرحلة وخطورة ما قد يتعرضوا له في حال تخلت عنهم أمريكا وشعروا بأنهم سيصبحون لقمة سائغة لتركيا التي تعارض إقامتهم لأي حكم ذاتي بجوار أراضيها، لذلك وجدوا أن الإنضمام إلى الحلف المنتصر "روسيا، ايران، سوريا" هو أجدى من أي محاولة جديدة مجهولة النتائج، خاصة أن الحكومة السورية ليس لديها أي مانع من التعاون مع الاكراد لحماية أراضيها والحفاظ على وحدتها وقد حدث هذا التعاون في عدة مناسبات لذلك سيكون الطريق إلى دمشق أقرب بكثير من الطريق إلى واشنطن في الحقيقة والسياسة.
كان يعتقد الأكراد في مرحلة ما أن الأمور في سوريا تتجه نحو التعقيد أكثر فأكثر وأن الدولة السورية في خطر كبير ومستقبل سوريا مجهول نظرا لما كانت تمر به البلاد من حروب طاحنة قادتها الجماعات الارهابية ضد الدولة السورية ولكن ما جرى خلال الأشهر الماضية وبدعم روسي ايراني غير المعادلات ليس فقط من وجهة نظر الأكراد بل من وجهة نظر المنطقة برمتها "خاصة بعد القضاء على داعش" لتنتج المرحلة الجديدة تحالفا جديدا سارعت أنقرة للانضمام إليه وسط صمت دولي لهذا النصر الكبير، لذلك وجد الأكراد أنه من الأفضل اللحاق بهذا الحلف والانضواء تحت جناحه قبل فوات الآوان.
المحللون
خرجت تحليلات كثيرة في مطلع هذا الشهر "نوفمبر 2017" حول مستقبل الأكراد في سوريا وكيف ستتعامل امريكا معهم بعد القضاء على داعش، وهل يمكن أن تستمر هذه العلاقة أم أن الامريكي سيسحب الغطاء عنهم تاركا إياهم في مهب الريح؟!.
وهنا سنذكر ببعض الآراء التي قالها المحللون حول مستقبل العلاقات الأمريكية_ الكردية في سوريا، ففي 10 نوفمبر، نشر المركز الكردي للدراسات مقالا لديفيد فيليبس، المدير التنفيذي لبرنامج بناء السلام والحقوق في معهد دراسات حقوق الإنسان لدى جامعة كولومبيا، جاء تحت عنوان "هل ستخون الإدارة الأمريكية أكراد سوريا أيضا؟" وأشار إلى تخلِّي أمريكا عن أكراد العراق، وقال إن أكراد سوريا "يخشون أن يكونوا الضحية القادمة لخيانة إدارة ترامب".
وخلال نفس المقال لفت فيليبس، إلى الخوف الكردي من خضوع إدارة ترامب للضغوط التركية، ووقف الدعم العسكري للوحدات الكردية، واعتبر فيليبس أنّ "التخلِّي الأمريكي عن أكراد سوريا سيكون خطأً استراتيجيا فادحا، قد يحوِّل أكراد سوريا إلى روسيا طلبا للحماية أو قد يبحثون عن المصالح المشتركة مع نظام الأسد".
حتى الصحف الامريكية نفسها تحدثت عن الخيانة الامريكية للأكراد، ففي مطلع نوفمبر قال ياروسلاف تروفيموف، الكاتب المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، "إنًّ كثيرا من الأكراد يخشون أنه مع اندحار داعش في سوريا بالكامل، فإن الولايات المتحدة ستعقد صفقة مع روسيا وتركيا وحتى مع الأسد، وذلك على حساب الأكراد أنفسهم".
أما المحللون الاكراد فقد تحدثوا بلغة أكثر وضوحا عن مستقبل العلاقة مع امريكا، ورأوا أن رائحة " خيانة أمريكية محتملة" للوحدات الكردية بدأت تفوح، وعلى سبيل المثال، قالت أليزا ماركوس، الباحثة في شؤون الأكراد: "إنَّ أمريكا ملتزمة بدعم الأكراد في سوريا، غير أنَّه دعمٌ دون تعهُّد بإقامة كيان سياسي لهم؛ بل إنّ هذا الدعم لا يبدو واضح المعالم". وأوضحت "إنّ واشنطن في النهاية سوف تسعى للنأي بنفسها عن أكراد سوريا، حفاظا على علاقاتها مع حليفها الوثيق تركيا".
وفي أحدث التحليلات قال الصحفي والمحلل السياسي الكردي العراقي "هيوا عثمان"، إن "التطورات الأخيرة تدل على قرب انتهاء النفوذ الكردي في مناطق شمالي سوريا "، مشيراً إلى أن " الأكراد كانوا يأملون في أن يصبحوا حلفاء للولايات المتحدة بمعزل عن عواصم الدول التي يعيشون فيها إلا أن ما حصل في إقليم كردستان العراق هو العكس تماماً من خلال تخلي الإدارة الأمريكية عنهم لصالح حكومة بغداد مما يعني أن وقف الدعم الأمريكي لأكراد سوريا هو مسألة وقت فحسب وهو ما سيدفع بتركيا على أثره إلى الهجوم على ما يسمى بـ (وحدات حماية الشعب الكردية) وإنهاء تواجدها في هذه المنطقة ".
أما الأستاذ في جامعة "ايشيك" في اربيل الدكتور "هورمان علي" فأعلن تأكيده إن "الولايات المتحدة تخلت عن الاكراد السوريين وسيواجهون مصيراً مريراً في المستقبل على الرغم من أن (وحدات حماية الشعب) والاكراد عموماً كانوا قد وقفوا الى جانب الولايات المتحدة بالضد من جميع القوى المناوئة لواشنطن في المنطقة كالحكومة السورية المتحالفة مع روسيا"، مؤكداً إن "الاكراد سيكونون الجهة الوحيدة التي ستدفع الثمن بعد إنجلاء الاحداث الراهنة".