الوقت- عندما يقول رئيس جمهورية دولة بحجم مصر ومكانتها الإقليمية أن "المنطقة مضطربة وأنه يرفض عملا عسكريا ضد إيران وحزب الله"، هذا يعني أننا قادمين على مرحلة جديدة بدأت معالمها تخرج للعلن من مصر وعلى لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي الذي ذهب في كلامه إلى التأكيد على التهدئة والصلح ومحاولة تجنيب المنطقة المزيد من الأزمات وعدم الإنجرار إلى حروب مع الأصدقاء أو دول الجوار، خاصة أن المنطقة تعاني من اضطرابات وأزمات كبير لذلك "نحن بحاجة إلى المزيد الاستقرار، وليس عدم الاستقرار" بحسب السيسي.
هذا الكلام يحمل لحنا جديدا لا يتناغم أبدا مع المخططات السعودية والأمريكية في المنطقة، وقد يعرض مصر لضغوط جديدة من قبل مملكة النفط، ولكن على مايبدو أن السيسي عازم على إعادة الدماء إلى شرايين الأمة العربية عبر اتخاذ موقف عقلاني واعي يليق بمصر ومكانتها التاريخية ويجنب الأمة المزيد من الويلات، وهذا الأمر اعتدناه من القاهرة التي كانت دوما داعم قوي وفعال لقضايا الأمة وكانت بمثابة ميزان للحق عبر التاريخ وهذا ليس بالغريب عنها، فهي ليست دويلة مصنوعة من الغرب وتأخذ قرارتها من أجهزة المخابرات الكبرى، في مصر شعب قومي وطني مقاوم لا يرضى التعامي عن الظلم وبث الفتن بين الأشقاء لغايات استعمارية لاتريد الخير لأحد.
عقلانية مصرية في التعاطي مع الملفات الإقليمية
كان لمصر نصيب من ما يسمى "الربيع العربي" وعانت فترة لابأس بها من الإضطرابات والأزمات الداخلية فضلا عن محاولات غربية حثيثة للاصطياد في الماء العكر في تلك المرحلة، ومع ذلك استطاعت مصر ان تستعيد عافيتها رويدا رويدا، وتمكنت من العودة إلى مكانتها السياسية عبر بوابة دمشق التي رفضت مصر أن تغلق على أبنائها، معلنة على الملأ في مجلس الأمن تصويتها لصالح مشروع قرار روسي حول سوريا رغم معارضة السعودية والدول الخليجية له، الأمر الذي وتّر العلاقات مع السعوديّة وكان له تبعات إقتصادية سلبية بالنسبة للجانب المصري، حيث عاقبت السعودية مصر فعمدت إلى سحب الودائع التي ضمتها إلى الاحتياطي المصري، وقامت شركة أرامكو السعودية بوقف إمداد المواد النفطية إلى مصر، ومع ذلك قال الرئيس السيسي حينها "لن نركع إلا لله".
هذه المواقف القومية والوطنية لمصر لم تتوقف عند هذا الحد على الرغم من كل الضغوط التي مارستها السعودية عليها مستغلة نقاط ضعف معينة لدى القاهرة نتيجة لظرفها الاقتصادي الصعب، ومع ذلك استمرت مصر في نهجها المدافع عن قضايا الأمة لتطلق مبادرة لافتة لتوحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس، وتشجيع الأطراف المتنازعة على إبرام مصالحة شاملة وتوحيد جهود الحركة الوطنية، واستقبلت القاهرة وفود من جميع الأطراف لحل الملفات الشائكة والتوصل إلى نقاط فهم مشتركة وتمكنت القاهرة من المضي قدما في هذا الملف وحققت نتائج إيجابية في هذا الإطار، حيث نجحت القاهرة في تقريب وجهات النظر.
ملف المصالحة الفلسطينية الذي بادر فيه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يكن أيضا مرضيا للسعودية، بل على العكس حاولت شله ومنعه من المضي قدما حتى إتمام المصالحة وذلك عبر استدعائها للرئيس الفلسطيني محمود عباس ومطالبته بتجريد حماس من سلاحها وفق مصادر إعلامية.
تلاقي ظرفي بين مصر والسعودية
كما ذكرنا سابقا فإن وجهات النظر السعودية والمصرية تختلف عن بعضها في كثير من المجالات لاسيما تلك التي تتعلق بقضايا مصيرية للأمة مثل " العلاقة مع سوريا، ملف المصالحة الفلسطينية وآخرها رفض الحرب على إيران وحزب الله" هذه الملفات الثلاثة وغيرها توضح بما لايدعو للشك بأن هناك فرق شاسع بالنسبة لمواقف هاتين الدولتين تجاه هذه القضايا، فالموقف المصري يتسم بالكثير من الواقعية والعقلانيّة بخلاف الموقف السعودي الذي يتّسم بالتسرع والهمجية على شاكلة حروبها الناعمة والخشنة في اليمن وقطر.
حتى أن تنازل مصر للسعودية عن جزيرتي صنافير وتيران إلى السعودية تمت في ظروف غامضة ولأسباب مجهولة جزئيا، وواجهت هذه المسالة رفض شعبي على مستوى كبير وتناول الشعب المصري في تلك الفترة أي في نيسان 2014 صورا ووثائق عبر وسائل التواصل الاجتماعي تثبت أن الجزيرتين أراضي مصرية، وسبب هذا الأمر أزمة كبيرة للحكومة المصرية أمام شعبها في ذلك الوقت، إلا أن مصر بدأت تستعيد دورها الريادي والطبيعي في المنطقة على الرغم من الضغوط التي تمارسها عليها السعودية لإجبارها على تغيير مواقفها تجاه بعض القضايا، إلا أن مصر لا تسطيع إلا أن تكون مع ما يحقق السلام والاستقرار للمنطقة برمتها، وقال السيسي في هذا السياق عل هامش منتدى الشباب العالمي : "نرى أن المنطقة يكفيها ما يحدث فيها خلال السنوات السبع الماضية من اضطراب وإشكاليات تؤثر على أمننا واستقرارنا"، مشددا على ضرورة التعامل بحذر شديد "حتى لا تضاف إشكاليات أخرى في المنطقة".
في الختام؛ من خلال قراءة بسيطة للعلاقات المصرية- السعودية نجد ان اللقاء بينهما ظرفي ولأسباب اقتصاديّة، حتى أن سبب التلاقي بينهما يمكن أن يخف بريقه بعد حملة الاعتقالات التي نفذها محمد بن سلمان بحق مجموعة من الامراء والوزراء، لأن هذا الأمر له انعكاسات سلبية على مصر بالتحديد، كون الملياردير المعروف الوليد بن طلال والذي تم توقيفه تحت عنوان "محاربة الفساد" هو أحد أكبر المستثمرين الأفراد فى مصر بـ6 مليارات دولار، وكان يعتزم استثمار 800 مليون دولار إضافية في القاهرة، وهناك الآن حالة من الغموض والترقب بين رجال الأعمال السعوديين بمصر، خاصة أن القرارات كانت مفاجئة، ورفض العديد منهم التعليق على الأمر.