الوقت- مع الاقتراب من مرحلة نهاية تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة، بدأ اللاعبون المحليون والدوليون بالتفكير في السبل الناجعة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب لهم كل حسب حجمه ودوره، الهدف هنا المحافظة وإن أمكن تعزيز المكتسبات والوجود بعد داعش. وفي هذا الإطار تعتبر سوريا الساحة التي سيكتب عنها التاريخ أنها مقبرة تلك الخلافة المزعومة التي نسفت كل قواعد الدول والممالك والخلافات التي حكمت على مرّ التاريخ.
سوريا إذا هي ملعب الجميع منذ سنوات وبلا منازع، اليوم تكتسب محافظة دير الزور السورية أهمية خاصة حيث تحوّلت مؤخرا إلى ساحة المنافسة الأهمّ بين قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من أمريكا. السبب أنه في المقلب العراقي بدأت القوات العراقية بعملية تحرير مدن القائم وراوة وهما آخر المناطق التي يسيطر عليها داعش شمال غرب محافظة الأنبار، ولهذا تكتسب المناطق المحاذية سوريا أهمية خاصة بالنسبة للقوات التي تعمل على تحرير المناطق من الجهة السورية.
أما السبب وراء هذه الأهمية يعود إلى أن تحرير المناطق المحاذية للأنبار في المقلب السوري يعني اتصال الحدود العراقية بالحدود السورية مجددا، وبالتالي اتصال قوى محور المقاومة. فالقوات العراقية اليوم تتجه غربا لتصل الحدود السورية "القائم" والجيش السوري وحلفاؤه يتجه شرقا وصولا إلى مدينة البوكمال التي تحوي معبرا مهما باتجاه العراق.
هذا السيناريو يؤرق الأمريكيين الذين يستفيدون من قوات "قسد" وكأنها قواتهم البرية المغطاة جويا من سلاح الجو الأمريكي، ومنعا لوصول قوات الجيش السوري إلى البوكمال تسعى واشنطن اليوم للوصول إلى المنطقة والسيطرة على المعبر ولو تطلب الأمر اتفاقا ضمنيا مع تنظيم داعش كالذي تمّ في أكثر من منطقة سابقا. وبالفعل تمكنت قوات "قسد" خلال الأيام الماضية من السيطرة على ميدان العمر النفطي في الريف الشرقي لدير الزور، وحاليا تسعى أمريكا ومن خلال دعم هذه القوات لفرض سيطرتها على شمال وغرب البوكمال، ولكن التقدم السريع للقوات السورية تجعل من الهدف الأمريكي معقّد وصعب لأبعد الحدود.
أمام هذا الواقع يجب السؤال عن الأهداف الحقيقية لأمريكا من هذا الحراك من جهة، إضافة إلى الأمور التي قد تترتب على سيطرة قوات "قسد" ومعظمها كردي على تلك المنطقة الحدودية من جهة أخرى.
السعي لكبح جماح محور المقاومة
أمريكا ومن خلال تصريحات مسؤوليها واستراتيجية البيت الأبيض الجديدة بخصوص إيران وقوى المقاومة تؤكد أن هناك توجه جدّي لكبح جماح قوى محور المقاومة وعلى رأسها إيران في المنطقة. ويؤكد المسؤولون الأمريكيون أنهم لن يتوانوا في مواجهة نفوذ إيران في سوريا والعراق. ولذلك السعي الحثيث للسيطرة على منطقة البوكمال الحدودية السورية لا يمكن فصله عن هذه الاستراتيجية الأمريكية. الواقع أنهم يعتبرون التقاء القوات العراقية مع القوات السورية والحلفاء يعني تقوية محور المقاومة وإيران ويعني اكتمال الهلال الشيعي الذي يهدّد إسرائيل.
امتلاك أوراق ضغط بخصوص المفاوضات الخاصة بمستقبل سوريا
كما أشرنا في مقدمة مقالنا، الجميع يسعى لتحصيل المكاسب والنقاط الأخيرة في الملعب السوري والسبب امتلاك أوراق قوة من أجل مرحلة المفاوضات والحلّ السياسي. وفي حالة الأزمة السورية الأطراف التي تمتلك أكثر مساحة على الأرض لها تأثيرها الأكبر بطبيعة الحال في مجريات المفاوضات وتقرير المستقبل.
أما الأخطر من الأهداف الأخرى هو السعي الأمريكي لتعميق الأزمة السورية بعد الانتهاء من داعش، كيف ذلك؟ هذا ما سيتكفل به سيطرة قوات كردية على مناطق غير كردية أو على الأقل مناطق ذات أكثرية عربية وليس كردية.
الأمر الآخر هو الإصرار الأمريكي على السيطرة عبر قوات "قسد" على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي السورية ليتمكنوا من تحصيل مكاسب في مواجهة النفوذ الروسي والإيراني على الأراضي السورية. وهذا التوجه خطير جدا ويؤشر إلى أن الأمريكيين وعلى رأسهم دونالد ترامب لن يقبلوا بفكرة فوز الروس وإيران في الصراع السوري.
طبعا رغم كل ذلك لا يبدو أن الأمريكيين سيتمكنون من تحقيق هذا الهدف، والمانع الرئيسي أمامهم هي القوات السورية والقوات الحليفة من محور المقاومة التي تسابق الزمن لتحرير ما تبقى من أراض لا زالت تحت سيطرة تنظيم داعش، الخوف يبقى من صفقة أمريكية داعشية يسلّم بموجبها التنظيم الإرهابي هذه المنطقة الاستراتيجية للأمريكيين دون مواجهة.