الوقت- توالت سريعاً فصول الأزمة الدبلوماسيّة بين أنقرة وواشنطن منذ توقيف السلطات التركية لأحد موظفي القنصلية الأمريكية في اسطنبول، إذ سارع الجانبان إلى تبادل تعليق منح تأشيرات السفر بينهما، وعادت تركيا وقررت اعتقال موظف آخر في القنصلية كما استدعت مستشار السفارة الأمريكية. في مشهد يُظهر تفاقمًا واضحًا في الشّرخ الحاصل بين الدّولتين. للوقوف عند هذه التفاصيل وآفاقها، ولمعرفة مستقبل العلاقات الأمريكية - التركية أجرى موقع الوقت الإخباري مقابلة مع الخبيرة اللبنانية في العلاقات الدّولية الدكتورة ليلى نقولا الرّحباني. إليكم ما جاء فيها:
الوقت: شهدنا في الآونة الأخيرة فتورًا في العلاقات التركية - الأمريكية وصل فيما بعد إلى أزمة علنية تمثّلت بالوقف المتبادل لمنح التأشيرات، كخبيرة في العلاقات الدولية، كيف ترين آفاق هذا الخلاف؟ وهل سنرى تعزيزًا للشّرخ بين "الدولتين الحليفتين"؟
د. الرحباني: "إنّ ما ظهر من تشنّج في العلاقات التركية - الأمريكية في الوقت الحاضر لا يعود لهذه الفترة بالذات بل مستَمدّ منذ فترة بعيدة خاصة خلال الحرب السورية، لقد كان أردوغان مستاءًا جدا من حلفائه، خاصة من حلف الناتو، لأنهم لم يدعموه في مسار التدخل العسكري المباشر في سوريا، ولم يقبلوا معه بإقامة منطقة عازلة أيضا في الأراضي السورية، وكان هناك الكثير من التشنّجات وخاصة بعد الإنقلاب الذي يتّهم أردوغان الأمريكيين بشكل خاص بأنهم دبّروه له."
وتابعت: "ما يحصل اليوم هو نتيجة لمسار من توتر العلاقات بين الحليفين الأمريكي والتركي، وأعتقد أنّ كلّما ازداد هذا الشرخ كلّما ذهب أردوغان إلى علاقة أفضل مع موسكو، ولكنّه لن يتخلّى عن حلف الناتو ولن يخرج منه."
وحول مستقبل العلاقات بين البلدين قالت الباحثة اللبنانية: "أعتقد أن أردوغان سيحاول دائما ممارسة سياسة حافّة الهاوية، أو أن يمسك العصى من الوسط، فهو لن يتخلّى عن تحالفه مع الناتو القائم منذ عقود، والقواعد الموجودة للحلف في تركيا تعطيه مكاسب استراتيجية وقدرة على الحركة، وخاصة على أن لا يكون في حضن موسكو بشكل كامل، أي أنه يعطيه هامش من الحرية في المعارضة أو المواجهة أحيانًا، لذلك أتصور بأن أردوغان سوف يبقي على العلاقات الإقتصادية الجيدة مع الروس، لكنه لن يتخلّى عن العلاقة الإستراتيجية مع حلف الناتو."
وأضافت: "بكل الأحوال، الأمريكيون اليوم كانوا المبادرين بأن دعموا الأكراد، وأردوغان كان قد نبّههم من ذلك، على اعتبار أن تواجد كانتون كردي سواء في شمال سوريا أو في العراق سوف يهدد الأمن القومي التركي، لذلك كان دعم الأكراد وغضّ النّظر عن دعواتهم إلى الإنفصال وقيام كيان كردي مستقل من الخطوط الحمراء التي مسّها الأمريكيون، وأتصور أنه في النهاية لن تفرّط أمريكا بتحالفها الإستراتيجي مع تركيا."
الوقت: أثار صمود تركيا أمام السياسة الأمريكية استغراب الكثيرين، ما تعليقكم على ذلك؟
د. الرحباني: "أردوغان يحاول أن يظهر مكامن قوّته، ويظهر بأنه غير ضعيف، فنحن نعرف أنه تعاطى مع الإتحاد الأوروبي بهذه الطريقة وكان يردّ لهم الصّاع صاعين في خطاباته النارية التي وجهها لهم، واليوم يريد أن يظهر للأمريكيين أنه ليس ضعيفا وأنهم لا يستطيعون أن يهدّدوا أمن تركيا بدون أن يدفعوا أثمانًا لذلك. لكن هناك خط نهائي للتراجع لا يخرج عنه أردوغان، أي أن يقطع التحالف مع الناتو والأوروبيين والأمريكيين، شركائه الأصليين في حلف الناتو. هناك هامش يستطيع أن يلعب به لكنه لا يستطيع أن يتخطاه لأنه لا يستطيع الخروج الناتو."
الوقت: ذكرتم أن دعم الأكراد كان الخط الأحمر الذي تخطته أمريكا، حول هذا الموضوع، برأيكم ما هو مستقبل إنفصال الأكراد الذي تعارضه تركيا بشدة؟
د. الرحباني: "الأكراد لن يصلوا إلى الإستقلال، لأن جميع الدول الإقليمية المجاورة تتّفق على عدم السماح لهم بذلك. أنا أتصوّر أن الدولة الكردية في شمال العراق لن يكتب لها الحياة، لكن الخطر الذي يواجهه الأتراك بشكل أساسي هو شمال سوريا، لأن وجود عشرة قواعد عسكرية أمريكية في الشمال السوري، توحي أن الشمال السوري سوف يبقى إلى حد بعيد، يتمتع بنوع من الحكم الذاتي الكردي، والأمريكيون بشكل أساسي كان مشروعهم هو التقسيم، فيخشى التركي من أن يكون هناك نوع من الدفع الأمريكي لتقسيم سوريا وإقامة كانتون كردي - سوري، يمتد مع الكانتون الكردي في شمال العراق، لذلك فإن دخوله إلى إدلب اليوم، وقبل ذلك قطع الطريق على وصول هذا الكانتون إلى البحر الأبيض المتوسط هو الذي منع قيام دولة كردية في الشمال السوري."