الوقت- تتّجه الأنظار نحو الفرات مجدّداً، ولكن هذه المرّة بنكهة سوريّة كرديّة بعد أن كانت تركيّة كرديّة في السابق. مجلس دير الزور العسكري الذي يقاتل تحت راية قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من أمريكا حاول وضع خطوط حمراء للجيش السوري بمسألة عبور الفرات، ليأتي الردّ من مستشارة الرئيس الأسد بثينة شعبان أن الحكومة السورية ستقاتل أي قوة بما في ذلك قوات تدعمها الولايات المتحدة، من أجل استعادة السيطرة على كامل البلاد.
الأمور ليست على ما يرام أبداً، حيث من الممكن أي يتحوّل التقاذف الإعلامي إلى صراع عسكري في ظل التقدّم النوعي للجيش السوري في دير الزور وعبور الفرات الأمر الذي يشكّل أهميّة استراتيجية مقابل محاولة الأكراد السيطرة على شرق سوريا، وكذلك تهديد نائب قائد قوات التحالف الدولي، اللواء روبرت جونز للجيش السوري بالقول: لن نسمح للقوات الحكومية السورية بعبور نهر الفرات في دير الزور، ونقل عنه أيضا أنه هدد بتدمير أي وحدات للجيش العربي السوري إذا ما حاولت عبور نهر الفرات
القوات السورية قد عبرت النهر فعلاً في الاتجاه الجنوبي–الشرقي، حيث تقع حقول النفط الرئيسة في المحافظة، وبالتأكيد لا تتنظر أوامر الأكراد أو القوّات الأمريكية لبسط سيطرتها على السيادة السوريّة، ورغم ذلك نستبعد احتمال التصادم مع القوات المدعومة أمريكياً، نظراً لإدراك واشنطن أن القوات الكردية ستدخل في معركة خاسرة تماماً، وبالتالي قد تخسر أمريكا حصان طروادتها المتبقي في سوريا. هذا لا يعني حصول عدّة اشتباكات طفيفة إلا أنه من المستبعد أن تنجر الأمور إلى حرب طاحنة، على شاكلة التي يخوضها الجيش السوري ضدّ تنظيم داعش الإرهابي في دير الزور، لأسباب عدّة نذكر منها:
أوّلاً: في الحقيقة نجح الأكراد تحقيق جملة من الانجازات بقتالهم لتنظيم داعش الإرهابي، إلا أنّهم اليوم يخطون خطوات التنظيم الإرهابي في بسط سيطرتهم على أراضي سوريّة لا يوجد فيها حضور للمكوّن الكردي حتّى. كذلك، في السابق اعتمد الأكراد سياسة التهجير والتنكيل بحقّ العرب والتركمان في الحسكة والعديد من المناطق السورية.
ثانياً: لا ينتظر الجيش السوري قرار المجلس العسكري في دير الزور لبسط السيطرة على أراضي سوريّة، وبالتالي لا خيارأمام هذه القوّات سوى الانسحاب أمام حضور الجيش السوري هناك. تضيف شعبان في تعليقها على كلام المجلس العسكري: "سواء كانت قوات سوريا الديمقراطية أو داعش أو أي قوة أجنبية غير شرعية موجودة في البلد تدعم هؤلاء فنحن سوف نناضل ونعمل ضد هؤلاء إلى أن تتحرر أرضنا كاملة من أي معتد".
ثالثاً: إن الفخّ الأساسي الذي وقع فيه الأكراد، في سوريا والعراق على حدّ سواء، هو اعتمادهم على أمريكا التي اعتادت على ترك حلفائها في منتصف الطريق. أمريكا طالبت اليوم الأكراد بإيقاف استفتاء كردستان، وبالتالي لا نستبعد أي تراجع أمريكي في سوريا، ولو كان الأمر على حساب الاكراد. واشنطن غير قادرة اليوم على الدخول في مواجهة مباشرة مع سوريا والدول الداعمة ايران وروسيا وكذلك تركيا التي ترى في التوسّع الكردي تهديداً لأمنها القومي، بخلاف موقفها السياسي من الرئيس السوري بشار الأسد.
رابعاً: لا يُخفي الأكراد نواياهم الانفصاليّة في سوريا، كما العراق، خاصّة في ظل دعوة الهيئة التنفيذية لـ"الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا"، التي يهيمن عليها الأكراد، السوريين إلى المشاركة في الانتخابات المحلية والمقرر انعقادها في 22 من الشهر الجاري لتلبية طموحات مشروع الإدارة الذاتية ومشروع الفيدرالية الديمقراطية، حسب تعبيرها، لتردّ القاعدة الروسية في حميميم عبر صفحتها على "فيسبوك" إن موسكو لن تدعم مشروع انفصال الأكراد عن سوريا لأن هذا الأمر يتنافى مع التزامِ موسكو لضمانِ وحدة الأراضي السورية.هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن القانون السوري هو المرجع الأساسي لأي منطقة تسعى لتقرير مصيرها، وهذا ما يفرضه القانون الدولي أيضاً، وفي أسوء الأحوال يبقي خيار الاستفتاء العام في سوريا هو الخيار النهائي الذي ممكن أن تلجأ إليه أي جهة لتقرّر مصيرها.
خامساً: إن الأكراد من خلال خطواتهم المستعجلة هذه التي تستهدف وحدة الأراضي السوريّة والعراقيّة، كما فعل تنظيم داعش الإرهابي سابقاً، يقضون على انجازاتهم السابقة في مواجهة الإرهاب. إن محاولتهم لاستغلال الظروف القائمة وتجييرها لمصالحهم الإنفصالية ستقضي على أيّ دور لهم لاسيّما في ظل تهديد تركيا بالتدخّل العسكري في سوريا، وتلويحها بفرض عقوبات على الإقليم في جال إجراء الاستفتاء.
سادساً: إن الخيار الأنسب للأكراد اليوم هو التعاون مع الحكومة السوريّة والدخول في حوار مع دمشق، فضلاً عن التنسيق معها، بدل استغلال التنظيم الإرهابي كحصان طروادة لمشروعهم، تماماً كما تفعل أمريكا معهم. مشروع داعش بات بحكم المنتهي حالياً، وفي حال أصرّ الأكراد على أسلوبهم الحالي، الذي يتشابه كثيراً مع أسلوب داعش في المضمون وان اختلف في الشكل، سيلقون المصير نفسه. في الحقيقة هم من يضعون نفسهم موضع داعش في حروب الهويّة والسيطرة.
لا نعتقد أن المعركة ستبدأ قريباً، بل إن الأيادي ستبقى على الزناد للردّ بالنار، وبالتالي فإن تفاقم الصراع بين دمشق والأكرد بات أمرا ممكنا للغاية، ولا سيما أن الأكرد في "قوات سوريا الديمقراطية"، أخذوا يظهرون مزيدا من العدوانية. الجيش السوري اليوم أقوى بكثير من "قسد" على الرغم من الدعم الأمريكي الغير شرعي وفق القانون الدولي.