الوقت- حرب التكفير المشتعلة في العراق تشبه الى حد كبير غيرها من الحروب من ناحية الوسائل المستعملة، فإضافةً الى حملات الترهيب التي يمارسها تنظيم داعش الارهابي في المناطق التي يدخلها، هناك سلاح الحرب النفسية الذي يدعم داعش ويؤمن له وابلاً من رصاص الشائعات التي تحاول مساندته لكسر العزيمة الشعبية والارادة الوطنية، وتتولى الحرب النفسية هذه وسائل اعلام عربية وغربية حيث يظهر انحيازها بشكل علني أحياناً وأحياناً أخرى تستخدم سياسة التلميح.
الحرب النفسية التي يشنها الاعلام العربي والغربي على العراق حكومةً وشعباً تحاول تقديم الدعم النفسي لداعش واظهارها على أنها غير قابلة للإنكسار ففور دخول داعش الى الموصل تم نشر شائعات بأن داعش أصبح قريباً من بغداد التي باتت بلاشك لقمة سائغة لداعش وكانت صحيفة "صنداي تلغراف" البريطانية أول مصدر غربي أشاع هذا الخبر حيث ذكرت في عددها الصادر في 12 تشرين الأول 2014 أن "عشرة آلاف داعشي يقتربون من بغداد، وهم على بعد 25 كيلومتراً تقريبًا عنها".
وكذلك فإن ساسة أمريكيين ساروا على خطى الصحيفة البريطانية منهم رئيس أركان الجيش الأمريكي مارتن ديمبسي حيث أعلن أن داعش يكاد يصل الى مطار بغداد الدولي وكذلك فإن السفارة الأمريكية حذرت رعاياها من السفر عبر مطار بغداد الدولي، أضف الى ذلك أن وسائل اعلام عربية متعددة تبعت النهج نفسه حيث بثت قناة "العربية الحدث" السعودية أخباراً عن هجمات شنها داعش على مطار بغداد الدولي ونقلت القناة أن هذه الهجمات تسببت بتوقف حركة الملاحة الجوية في المطار وهذا ما نفاه المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد العميد سعد معن الذي أكد أن هذا الخبر عار عن الصحة.
أما بالنسبة للوضع الميداني الراهن فلاتزال وسائل الاعلام هذه في الخندق نفسه فبعد دخول داعش الى الرمادي نقلت قناة الجزيرة القطرية هذا الخبر وكانت بدايته: "سيطر تنظيم الدولة الإسلامية بالكامل على مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار غرب بغداد، وفرت كافة القوات الحكومية من المدينة" في انحياز واضح لتنظيم داعش الارهابي، وكذلك تُفسَّر هذه الجملة على أن الجزيرة تحاول اظهار القوات الحكومية العراقية على أنها ضعيفة وغير قادرة على المواجهة.
أضف الى ذلك أن الكثير من وسائل الاعلام تحاول بث التفرقة السياسية والمذهبية بين الشعب العراقي فقناة الجزيرة مثلا استضافت في برنامجها "ماوراء الخبر" الناطق السابق باسم وزارة الدفاع الأمريكية جيف غوردن الذي ذكر أن واشنطن "قلقة" من حصول أعمال عنف ضد السنة في تكريت من قبل "مليشيات" الحشد الشعبي وبثت هذه الحلقة في 1 نيسان لهذا العام.
وسائل الاعلام هذه تتجاهل التواجد الفعال لأهالي السنة في الحشد الشعبي والجيش العراقي فأحد المقاتلين السنة الذين انضموا الى الحشد يقول "سنّة او شيعة...لا فرق، هذه الظروف وحدتنا" بالاضافة الى أن عشائر أهل السنة شاركت في تحرير الرمادي حيث انضم آلاف المقاتلين السنة من قبيلة البوفهد الى الحشد الشعبي هناك.
إن ما تحاول وسائل الاعلام هذه نشره وترويجه يشير بوضوح الى سياسة الحكومات التي تمولها وتقف خلفها والتي تهدف الى اضعاف الشعب العراقي وتفتيته دينياً وسياسياً في اطار الحفاظ على داعش ودعمها معنوياً لتسريع تحقق أمل الدول الغربية عموماً وامريكا خصوصاً في سماع نداء استغاثة الشعب العراقي بالقوات الأمريكية والمتعددة الجنسيات ليعودوا الى العراق من جديد.
وكذلك فإن من بين أهداف الحملة الاعلامية هذه إطالة أمد الصراع لإنهاك العراق والمنطقة بأكملها لضمان أمن الكيان الاسرائيلي وابعاد الخطر عن هذا الكيان من خلال اشغال الشعوب بنفسها واضعافها وجعل تنظيم داعش شبح رعب على قلوب المسلمين من خلال بث الشائعات الاعلامية.
الحرب النفسية التي تشنها دول غربية وعربية من خلال وسائل الاعلام التابعة لها والتي تستهدف أهالي العراق وتنثر بذور الفتن الطائفية والعرقية تفضح الدعم الذي يتلقاه داعش من هذه الدول كما تظهر العلاقات الوطيدة التي تجمع داعش مع بعض الحكومات التي تسعى لنشر الفوضى وتدعيم القتل والارهاب والتفرقة في العراق والشرق الأوسط خدمة لمصالحهم وأطماعهم في اعادة العراق الى قفص الاحتلال الأمريكي والغربي، فالحرب التي يعاني منها العراقيون لا تقتصر على حرب عسكرية فالحرب النفسية قد تكون أحياناً أشد وأخطر فاذا كان الرصاص يقتل الأفراد فالإعلام يقتل الأمم.