الوقت- "داعش يستسلم".. عبارة لم نألف سماعها منذ أن دوّى اسم التنظيم الإرهابي في الثلث الأوّل من العام 2013.
اليوم وبعد دخولنا منذ مدّة في مرحلة أفول داعش، تتردّد أصداء هذه العبارة على مسامع اللبنانيين والسوريين في معركة نجح فيها الجيشين (اللبناني والسوري) والمقاومة في تحرير منطقة القلمون الغربي وجرود القاع ورأس بعلبك.
داعش طلب وقف اطلاق النار، مقابل التزامه بأغلب البنود التي فرضها حزب الله عليه، عدا مصير جنود الجيش اللبناني، إلا أن رفض الحزب واستمراره في توجيه الضربات العسكرية حشر التنظيم في عنق الزجاجة لتجد داعش نفسها في المربع الاخير و مضطرة للاستسلام والقبول بشروط الحزب بعد المماطلة والمماحكة والمراوغة، وفق ما قال السيد نصرالله في خطاب "التحرير الثاني".
لسنا في وارد الدخول في انتصار حزب الله، وقدرته على تحرير أسراه واستعادة جثامين الشهداء من التنظيم الإرهابي الأبرز في العالم، بل إن السؤال الذي يطرح نفسه بشدّة اليوم: ما هو السبب الذي دفع بأعضاء التنظيم الإرهابي للاستسلام بعد أن كانوا يقتحمون بمفخخاتهم مقّرات وتجمّعات القوى المقابلة؟
إن الإجابة على هذا السؤال تستدعي التوقّف مليّاً أمام ما حصل مع التنظيم الإرهابي الأبرز خلال السنتين الماضيتين، لأن هناك جملة من الأسباب أفضت إلى استسلام التنظيم الإرهابي، في سابقة هي الأولى من نوعها، إلاّ أنّها قد لا تكون الأخيرة. أبرز هذه الأسباب:
أوّلاً: الانتصارات المتتالية لمحور المقاومة على التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، مهّدت الأرضيّة لدى حزب الله والجيشين السوري واللبناني للدخول بهدوء وصلابة في آن واحد ضدّ "داعش" في القلمون. في المقابل يعي التنظيم الإرهابي جيّداً أن المعركة ليست بالسهلة أبداً وشبه محسومة، إلا أن ضراوة المعركة لا تبرّر استسلام الدواعش الذين اعتادوا على تفجير أنفسهم بدلاً من الاستسلام. فما الذي حصل؟
ثانياً: في الحقيقة إن خسارة تنظيم داعش لمراكز ثقله في العراق وسوريا، وتحديداً خسارة الموصل والمواجهات القائمة في الرقّة شكّلت حالة من الضغط النفسي على التنظيم الإرهابي بعد أن كُسرت شوكته سورياً وعراقياً. الهزائم من الموصل التي قصمت ظهر التنظيم والان في تلعفر إلى شرق حلب إلى شرق حمص إلى شرق حماة إلى البادية السورية إلى جنوب الرقة باتجاه دير الزور، كل هذه المعارك مع داعش التي هزمت داعش وانهكت داعش، ليس هناك من شك بأنها تركت اثارا معنوية كبيرة جدا على داعش التي كانت تقاتل على الحدود اللبنانية السورية، كما أوضح السيد نصرالله.
ثالثاً: تعدّ الموارد الطبيعية والمالية الضخمة التي سيطر عليها التنظيم بمثابة الدم الذي يجري في عروق مقاتليه. اليوم، وبعد خسارة التنظيم لأغلب موارده السابقة بات منهكاً جداً، وقد كشفت الأوراق التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عجدول المعاشات لمقاتلي التنظيم والوضع المالي المزري لهم هناك.
رابعاً: مقاتلو التنظيم في القلمون وجدوا أنفسهم بعيدين جغرافياً عن أي تجمّع آخر للتنظيم في حمص وحماه وتدمر والبادية. فلو كانت داعش في حمص، والمعارك قائمة في القلمون وفي جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع، لم تكن النتيجة كذلك، لو كانت داعش في تدمر أو أي منطقة قريبة نسبيّاً، كان مقاتلو داعش يعيشون وضع معنوي وروحية مختلفة.
خامساً: سبب آخر يفسّر استلام داعش هو تزامن الجبهات. لست أقصد التزامن القائم على الجبهتين اللبنانية والسورية في القلمون وجرود القاع ورأس بعلبك وإن كان منه، بل ما أقصده هو تزامن الجبهات القائم على كافّة الأراضي السوري والعراقيّة، وخاصّة في مناطق دير الزور حيث وجد قيادة التنظيم نفسها بحاجة إلى مقاتلين، وبما أن مقاتلين القلمون لا فائدة فعليّة منهم، كان القرار بالاستسلام والتوجّه نحو دير الزور. هناك معركة منذ أشهر في البادية السورية باتجاه دير الزور وباتجاه الميادين والبوكمال بعد تدمر إلى الأمام، وأيضاً هناك معركة في جنوب الفرات أو في جنوب محافظة الرقة باتجاه دير الزور.
سادساً: الحرب النفسية التي شنّها حزب الله حيث بدأ بعرسال مكان تواجد النصرة بزخم إعلامي ضخم، ثم لاحقاً كلمة السيد نصرالله قبل بدء العملية والتي تحدّث فيها عن نصر أكيد وقاطع، شكّلت عاملاً نفسياً ضاغطاً على مقاتلي التنظيم الذين أدركوا نتيجة المعركة مسبقاً. لذا كانت النتيجة أن لا يلجأ هؤلاء إلى تفخيخ أنفسهم أو القتال حتى الرمق الأخير.
سابعاً: هناك هيبة بات يتمتّع فيها رجال حزب الله تُرخي بظلالها على الخصم قبل بدء المعركة، وقد ظهرت معالم هذه الهيبة في العديد من التقارير الغربية، منها ما كتبه سابقاً جيفري وايت المتخصّص في الشؤون الدفاعية في معهد واشنطن وضابط كبير سابق لشؤون الاستخبارات الدفاعية. في المقابل، يقول السيد نصرالله: "إن مقاتلو حزب الله مطبوع في جبينهم النصر"، هذه الروحية التي يدخل فيها مقاتلو الحزب إلى الميدان ترهب العدو وتبدّل الكثير في حساباته.