الوقت- بعد تعبيد طريق العودة للتعافي من السبع العجاف السورية عبر معرض دمشق الدولي، أقدم وأعرق المعارض الدولية في الشرق الأوسط، حمل استهداف الأمس بقذائف هاون على الباب الداخلي للمعرض رسائل عدّة من جهات ترفض الحياة للشعب السوري.
وبعد عدّة أيام على افتتاح المؤسسة العامة للمعارض، معرض دمشق الدولي تحت شعار"سورية تنبض بالحياة"، بعد انقطاع دام خمس سنوات، بحضور شركات محلية وإقليمية وعالمية، وبينما كان الرئيس السوري بشار الأسد يلقي خطاباً أشبه ما يكون بخطاب "النصر" خلال افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية والمغتربين بقصر الشعب، تلقى زوّار المعرض الدولي قذائف هاون أكّدوا فيها حقيقة مشروعهم التدميري، ليخّلف الاستهداف تسعة شهداء وعدّة جرحى.
عملية الاستهداف تستدعي التوقّف ملياً، وإجراء مراجعة دقيقة للمشهد السوري في ظل تسارع التطوّرات على الصعيدين العسكري والميداني، واليوم الثقافي والاقتصادي والاجتماعي، وهنا لا بدّ الإشارة إلى جملة من النقاط:
أوّلاً: إن العملية الإرهابية الجديدة تهدف لنسف الرسائل الداخلية والخارجية التي حملها المعرض بحلّته الجديدة حيث لم تقتصرأجنحته على عرض المنتجات الصناعية، بل تغنّت بمنتجات ثقافية تروي معاناة سنوات عجاف. أراد هؤلاء من خلال استهداف مدينة المعارض القريبة من أطراف الغوطة الشرقية إطفاء طريق العودة والتعافي التي عبّدتها الدورةالـ59 لمعرض دمشق، التي تجري بمشاركة 43 دولة، بعد انقطاع دام 5 سنوات، لتحمل مناسبةً لإعلان انتصار الدولة السورية على الإرهاب وكافة الفصائل المخربة لأرض الوطن.
ثانياً: إن عملية الاستهداف تؤكد رفض الجماعات المسلّحة لثقافة الحياة والفرح للشعب السوري، لا النظام، ليس ذلك فحسب، بل فرضهم ثقافة الموت على الشعب، فضلاً عن الآلاف من المُغرّر بهم. فإذا كانت القذائف تصبوا إلى قطع رسائل القوّة، الداخلية والخارجية، للدولة السورية، فقد كان بإمكان المستهدفين اختيار أوقات مختلفة، ما بعد منتصف الليل، إلا أن التوقيت يؤكد أن هؤلاء، المحسوبين على فصائل مسلّحة غير إرهابية في القاموس الأمريكي، يريدون النيل من عزيمة هذا الشعب الذي يبحث عن فرحة ضائعة منذ سبع سنين، ولكن لطالما انتصرت ثقافة الحياة على ثقافة الموت.
ثالثاً: بصرف النظر عن الشائعات التي سبقت إقامة المعرض وتحدثت عن مشاركة فيروز في افتتاح المعرض، باعتبار أن أول وقوف لفيروز على مسرح المعرض بدورته الثالثة في شهر سبتمبر/أيلول عام 1956، وقد قدمت يومها برفقة فرقة الرحابنة الموسيقية وفرقة الدبكة الشعبية اللبنانية، وفي حفلاتها التالية للمعرض، عدداً من الشاميات مثل "يا شام عاد الصيف" و"شام يا ذا السيف" و"أحب دمشق"، يريد أصحاب هذه القذائف استمرار الأزمة، وتغييب الضحكة عن هذا الشعب. هذا ما كتبه العبض على صفحات التواصل الاجتماعي، فقد كتبت أسماء عليوي على صفحتها “فيسبوك" عبارة خاطب فيها الجماعات المسلّحة بالقول: "ولك يخرب بيتكون ولك الله ينتقم منكون، سبع سنين حرب استكترتوا ع الناس الفرحة والضحكة كم يوم لمدة كم ساعة".
رابعاً: ليس ببعيداً عن الآثار الاقتصاديّة للمعرض نتيجة تدفق النقد الأجنبي، مع دخول أعداد كبيرة من المشاركين في المعرض من الخارج، وهو مؤشر إيجابي للغاية، يعدّ المعرض رسالة للجميع بأن سوريا واقتصادها في طريقهما للتعافي. مشهد المهرجان الافتتاحي للمعرض الذي يعدّ احد مظاهر الاستقرار الحقيقية في البلاد، يوحي بأن الدولة في طريقها لاستعادة السيطرة الكاملة على الوطن، وبالتالي عودة الاستقرار لكلّ الأراضي السورية.
باختصار، إن معرض دمشق الدولي الذي يعدّ تاريخه الحافل بالنشاط مرجع وذاكرة زمان ومكان، يعدّ اليوم بهذا الزخم الكرنفالي الاحتفالي بمثابة إعلان نصر مبكر على الأزمة بكل مفاعيلها. انّه بحقّ انتصار لثقافة الحياة على ثقافة الموت.