الوقت- تتوالى قضايا الخلاف بين تركيا والسعودية فصولاً. وبعد كسر أنقرة للخطوط الحمراء السعوديّة المتمثّلة بالوقوف إلى جانب قطر في الأزمة الخليجية، رفعت الرياض من مستوى عدائها للجانب التركي عبر اللعب إعلاميّاً بأوراق تستهدف الأمن القومي التركي، كما يراها أردوغان وحزب العدالة والتنميّة. الأولى تتمثّل بالملف الكردي، والأخيرة تتعلّق بالداعية فتح الله غولن، وما بينهما من أوراق دعم الإرهاب أو قطع العلاقات الاقتصاديّة.
أردوغان حاول تفادي الصدام مع الرياض دون التراجع عن قاعدته العسكرية في قطر أو خسارة الأخيرة، لأن أي انكسار لها هو انكسار لتركيا، ووصمها بالإرهاب يعني أنّ أنقرة كذلك، إلا أنّه عاد من زيارته الخليجية الأخيرة التي التقى خلالها ملك السعودية، وأميري الكويت وقطر بخفيّ حنين، وفق صحيفة "كوميرسانت" الروسيّة، التي أضافت: أنقرة لن تستطيع لعب دور الوسيط في الخلافات العربية، ما دامت تقيم علاقات وطيدة مع الدوحة.
عوداً على بدء، وبالنظر إلى التوجّه الإعلامي السعودي، الذي سنذكره في ثنايا هذا المقال، يبدو أن الهوّة ستتسع بين الرياض وأنقرة.
الملف الكردي
مع بداية الأزمة الخليجية، بدا توجّه سعودي واضح لدعم الأكراد في إجراء الاستفتاء والاستقلال في العراق، فقد قام ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي السعوديين والإماراتيين بنشر دعاية " SaudiWithKurdistan" معلنين دعمهم لإنفصال كردستان عن العراق، إلا أن اللافت اليوم، هي التغطية الإعلاميّة السعودي للملف الكردي في كل من العراق وسوريا وتركيا أيضاً.
برز الاهتمام السعودي بتحديد الجمعية التأسيسية لـ "اتحاد شمال سورية"، 22 أيلول (سبتمبر) المقبل موعد إجراء أول انتخابات على مختلف المستويات للإدارات المحلية والمناطقية التي تديرها على طول الحدود مع تركيا (ما يسمى الكومونات، أي المؤسسات البلدية)، ما اعتبر تمهيداً لإعلان إقليم مستقل، رغم أن دمشق لم تعترف بـ "اتحاد شمال سورية" منذ إنشائه في آذار (مارس) 2016، في المناطق الخارجة عن سيطرة السلطات السورية الرسمية في الشمال.
وقبل ذلك، عمدت صحيفة الحياة اللندنية، إلى إجراء مقابلة خاصّة مع صالح مسلم رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي حول الأكراد في سوريا والمنطقة الذي دعا لضمّ مدينة الرقّة إلى "الإدارة الذاتية" في "مقاطعة الجزيرة" التي يحكمها الأكراد. إضافةً إلى سعي الصحيفة، وغيرها من المواقع الإعلاميّة السعوديّة إلى إبراز "مظلوميّة" الأكراد.
هذا ما يمكن قراءته أيضاً من مضمون كلام "أنور عشقي" المستشار السابق للملك السعودي ومسؤول سابق في وكالة الإستخبارات السعودية في كانون الأول الماضي خلال حديثه عن ضرورة تشكيل دولة كردية موحدة في المنطقة بأن السعودية تنوي تشكيل تحالفات وتيارات إقليمية جديدة ستتعرض لها المنطقة بأكمله، أي أن السعوديّة تجد في تركيا عدّوا قديماً، إلا أن الأزمة الخليجية اخرجته إلى العلن.
زعيم الكيان الموازي
رجل الدين التركي المعارض فتح الله غولن، الذي تتهمه السلطات التركية بمحاولة الانقلاب الفاشلة العام الماضي، كان ورقة سعوديّة أخرى ضدّ تركيا حيث عمد عثمان العمير رئيس تحرير صحيفة "إيلاف" السعودية، ورئيس التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط إلى زيارة غولن بمقر إقامته بولاية بنسلفانيا الأمريكية الأمر الذي أثار تفاعل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي.
العمير، المقرّب من الديواني الملكي، والذي تربطه علاقة وثيقة بالملكين السعوديين فهد وسلمان بن عبد العزيز، وفق "إيلاف"، نشر مقطع فيديو على حسابه في إنستغرام حول زيارتة إلى بيت رجل الدين التركي المعارض فتح الله يقف فيه مع الأخير في غرفة نومه، وأرفقه بعبارة "أمضيت أربع ساعات في منزل الزعيم الإسلامي التركي فتح الله غولن في بنسلفانيا.. وكان حوارا وحديثا شيقين، وهنا في غرفة نومه البسيطة وحولها الكتب والقرآن الكريم".
وأضاف العمير: "طلبت من السيد فتح الله غولن أن نصور تحت العلم التركي، فهو ليس زعيما دينيا بل له إشعاع وطني في تركيا".
وفسر نشطاء مقطع الفيديو الذي نشره، على أنها رسالة من السعودية إلى تركيا، فيما اعتبرها آخرون بأنها تعزز اتهامات تركيا بتورط أبو ظبي في الانقلاب لكون العمير قريبا من الإمارات.
أحد متابعي العمير على إنستغرام سأله أحد "هل مطلوب منك هذه الزيارة أو (فعلتها) أنت من نفسك؟"،فيما تهكم أحدهم "ما شاء الله العمير صار يحب الإسلاميين"، في إشارة إلى أن الرجل ليبرالي ومعظم النخب الدينية تكرهه.
لا ندري أين كانت وطنية غولن قبل الأزمة الخليجية، بل نعي جيّداً البرغماتيّة الإعلامية السعودية مع الخصوم، وكذلك الحلفاء الذين يتحوّلون إلى خصوم، بالأمس مصر، واليوم تركيا وقطر، وربّما الإمارات غداً.
مع بداية الأزمة الخليجية، بدا واضحاً انعكاس خلافات أطرافها على الفصائل المسلّحة في مدينة إدلب السوريّة، إلا أنّه اليوم ومع لعب أنقرة بالورقتين الكرديّة و "فتح الله غولن"، كعب أخيل تركيا، فإن تركيا ستستخدم كافّة أوراقها في الصراع السياسي مع الرياض التي يحتاج أميرها الشاب محمد بن سلمان إلى فرصة استقرار سياسي تسمح له بالوصول إلى كرسيّ أبيه.