الوقت- يلعب الأكراد دوراً رئيسياً في مكافحة الإرهاب. القوّات الكرديّة، المتحالفة مع واشنطن، نجحت في تكبيد الجماعات الإرهابيّة خسائر فادحة، إلاّ أن الاشتباكات غير المسبوقة بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية بدت تصعيداً مفاجئاً للجميع.
واشنطن استغلّت هذا التصعيد الذي يعدّ أول مواجهة على الإطلاق بين الطرفين بإسقاط طائرة حربية سورية، في خطوة أظهرت فيها وقوفها إلى جانب المقاتلين الأكراد.
اشتباك عابر
البعض ذهب في تحليلاته بعيداً ورسم جملة من السيناريوهات حول هذا الاشتباك العابر بين الجهتين.
فقد أوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان: "اندلعت في بلدتي الشويحان وجعيدين في محافظة الرقة شمال سوريا الأحد اشتباكات بين الجيش السوري والقوّات الكرديّة.
وأضاف المرصد بأن الجيش الذي سيطرت الأحد على هاتين البلدتين الواقعتين على بعد نحو 40 كلم جنوب مدينة الرقة بعدما طردت إرهابيي تنظيم داعش منهما، اشتبكت مساء مع قوات سوريا الديمقراطية، قبل أن تشن مقاتلة سوخوي تابعة للنظام غارة على هذه القوات ردت عليها الولايات المتحدة بإسقاطها.
الفخّ الأمريكي
عند هذا الحد انتهت المسألة، ولو أن واشنطن لم تقم بإسقاط الطائرة لما تفاقمت الأمور، بل رُسمت هناك منطقة تماس بين الجيش وقوات سوريا الديمقراطية، لكن واشنطن، الجهة الداعمة للأكراد، عمدت إلى إسقاط الطائرة باعتبار أن أي مواجهة بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطيّة، أو بين العرب والأكراد ستصبّ في صالحها. هناك قناعة باتت راسخة لدى كثيرين بأن أمريكا قد تحاول إطالة أمد الأزمة عبر حرب عرقيّة، عربية كرديّة، لن يكون ضحيّتها سوى العرب والأكراد أنفسهم من المسلمين.
أي أن واشنطن، لا تريد أن تكون نهاية داعش خاتمةً لحروب المنطقة، وهذا ما ظهر على صفحة "نيويورك تايمز" التي أكّدت في مقال سابق أن الرقة ليست المعركة الكبرى في سوريا، متحدّثة عن صدام مرتقب بين القوى العظمى المتصارعة.
ما لم تكتبه الصحيفة أن هذه الحرب التي تريدها واشنطن ستكون بالوكالة، وليست بالأصالة، أي أن واشنطن ستستخدم الأكراد في معركتها ضدّ أي جهة، مع تقديم وعود لهم بإنشاء حكم ذاتي في مناطقهم، بل حتى بعض المناطق التي يسيطرون عليها، وهذا ما طالب به ئيس "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي صالح مسلم الذي دعا لضمّ مدينة الرقّة إلى "الإدارة الذاتية" في "مقاطعة الجزيرة" التي يحكمها الأكراد.
ما يمكن الإشارة إليه فيما يخص الأكراد ومواقفهم من التطوّرات السياسية والأمنية والعسكرية، التالي:
أوّلاً: إن أكبر وسام على صدر القوات الكردية في سوريا والعراق يتمثّل في الدور الرئيسي في مكافحة الإرهاب. في المقابل، إن استراتيجية الجيش السوري تتمثّل في دعم كل من يحارب الإرهاب. الجيش السوري يأبى توجيه سلاحه نحو أيّ جهة تكافح الإرهاب، بخلاف واشنطن التي تكيل بمكيالين.
ثانياً: إن الاشتباك الأخير غيمة عابرة، ولن تؤثر على دور الطرفين في التعاون في مكافحة الإرهاب. لسنا ننسى كيف حال التعاون بين الجيش السوري والقوّات الكردية في منبج دون وقوع معركة شرسة بين الأكراد والأتراك في المدينة، كانت ستنتهي لصالح القوّات التركية، وفق الكثير من المراقبين.
ثالثاً: إن الخيار الأنسب للأكراد اليوم في أي خطوة سياسية، كاستفتاء الإقليم أو أي خطوة مماثلة، وعسكرية كمعركة الرقّة وأي معركة قادمة، تتمثّل في الحفاظ علاقاتهم مع دول الجوار. لا ريبّ أن سوريا، وكذلك دول الجوار، لن يرضوا بأي مشروع أمريكي للتقسيم على أساس عرقي أو مذهبي، ولكن هذا لا يعني عدم إعطاء الأكراد جملة من حقوقهم التي كانت مسلوبة سابقاً.
رابعاً: نحذّر الأكراد من الوقوع في فخ الوعود الأمريكية، خاصّة أن واشنطن اعتادت على ترك حلفائها في منتصف الطريق. هذا ما سيحصل مع الأكراد أيضاً، وقد بدا التململ الأمريكي واضحاً حيال مطالبات الأكراد بالانفصال وإجراء الاستفتاء في إقليم كردستان.
خامساً: فيما يخصّ الحكم الذاتي، تبدو أن الأرضية غير مهيّئة اليوم للمضي بأي مشروع كردي لا يتناسب مع دول المنطقة والدول المحيطة بالأكراد. ولعل أي خطوة أمريكية في هذا السياق قد يغيّر من معادلات الصراع الإقليمي ويدفع بتركيا للتوجّه بشكل كبير نحو سوريا، بغية إخماد هذه النيران التي قد تلتهمها.
سادساً: من مصلحة واشنطن اليوم الزجّ بالأكراد في معركة مع الجيش السوري وحلفاءه ، باعتبار أن هذه المعركة تفتح لها باباً جديداً للبقاء في المنطقة تحت ذرائع عدّة. تعي واشنطن جيّداً أن لا قيمة لقواعدها العسكريّة في سوريا من الناحية القانونية بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي، وبالتالي لا بدّ لها افتعال أزمات جديدة تخدمها عسكرياً واقتصاديّاً.
باختصار، إن نجاح المشروع الكردي قائم على نقطتين رئيسيتين الأولى تتمثّل في مكافحة الإرهاب، وقد نجحوا فيها بشكل ملحوظ، وأما الثانية تتمثّل في عدم الارتماء في الأحضان الامريكية ولعب دور حصار الطروادة لواشنطن.
ولعل فشلهم في النقطة الثانية واستعدائهم لدول الجوار، سيكون بمثابة المسمار الأخير لأي مشروع كردي، ولعشرات وربّما مئات السنين.