الوقت - بعد انتهاء موسم القطاف السعودي يظهر أن الموسم القطري قد بدأ أمريكيا، فبعد مرحلة الاتهامات التي وجهها دونالد ترامب بشكل مباشر لقطر على خلفية دعمها الإرهاب ووقوفه نظريا إلى جانب السعودية في خطواتها التصعيدية اتجاه دولة قطر والأزمة التي نشبت بين الجانبين، يبدو أن الأخير قد تمكن من تحصيل ما أراده من الجانب القطري، لتعود الأمور إلى سابق عهدها من العلاقات الأمنية والعسكرية الاستراتيجية بين أمريكا وقطر.
فلم تلبث أخبار الصفقة القطرية الأمريكية لشراء طائرات مقاتلة من طراز "F35" أن ظهرت للعلن حتى عاد الحديث عن حماوة على خطوط تسوية الخلاف السعودي القطري، كما تحدثت أنباء عن اتصال من دونالد ترامب بسلمان وزايد يطلب منهم تسوية الخلاف مع قطر، بعد أن كان دفع بهما باتجاه التأزيم في خطوة باتت معروفة الأسباب حاليا.
إذاً إنها أحجار شطرنج يحركها الأمريكي من أجل تحقيق مصالحه في المنطقة، أحجار ولو أن فيها الملك والوزير إلا أنها تبقى عاجزة عن اختيار صالحها ومرهونة للاعبين كبار يمتلكون أهدافهم وخططهم الخاصة.
بات معلوما اليوم أن الأمريكي يسعى ومن أجل تحقيق مصالحه الاقتصادية والسياسية في المنطقة من خلال التأزيم وإقحام أتباعه في حروب وخلافات هم بغنى عنها، ولم يجد التاجر دونالد ترامب أنجع من صفقات السلاح لإحياء الاقتصاد الأمريكي ولذلك يسعى لعسكرة المنطقة الغارقة في الحروب أصلا. وهذا الأمر تؤكده الصفقات بمئات المليارات التي أبرمها مع السعودية كما تؤكدها الصفقة الأخيرة مع قطر والتي ساعدت شركة بوينغ الأمريكية على إنقاذ خط إنتاج كان في طور الإقفال إضافة إلى أن الصفقة ستؤمن وفقا لتقارير أمريكية أكثر من ستين ألف فرصة عمل خلال السنوات القادمة.
ولعسكرة المنطقة هدف آخر غير الهدف الاقتصادي الأكيد لدونالد ترامب، وهو الهدف الأمريكي الاستراتيجي المتمثل بعسكرة وإغراق المنطقة بحروب ودمار يشغلها عن الوحدة وعن عدوها الرئيسي المتمثل بالكيان الإسرائيلي، وخلق أعداء جدد من طينتها الإسلامية كإيران. إضافة إلى أن مسألة الطاقة النفطية هي مسألة لا تزال حيوية بالنسبة للاقتصاد الأمريكي ومن خلال عسكرة المنطقة يبقى البترول العربي والإسلامي ضمن سيطرة القوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا.
أحد الأمور التي تؤكد تراجع الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط ككل هي سياسة الارتكاز الآسيوي التي أعلن عنها في عهد أوباما، وتقول هذه الاستراتيجية إن الشرق الأوسط الذي كان يعتبر أهم المناطق الحيوية والغنية على الكرة الأرضية قد خسر هذه الصفة بسبب انخفاض أسعار البترول لأسباب كثيرة منها النفط الصخري الأمريكي. وفي المقابل فإن هناك قوى اقتصادية بدأت بالظهور في غرب آسيا حيث يوجد ثلث سكان العالم، ولذلك فإن واشنطن يجب أن تركز جهودها هناك بدلاً من الشرق الأوسط الذي يمكن شغله بحروب تجعله مرهونا للقوى الكبرى وعلى رأسهم الأمريكيين، وبذلك يقدم نفطه رخيصا لهم ثمن حماية الأمريكيين ودعمهم العسكري المقبوض طبعا.
العدوان السعودي المستمر منذ أكثر من 800 يوم على اليمن إضافة إلى الحرب الدائرة في سوريا يثبتا أيضا أن الأمريكيين يستغلون هذه الأزمات لمصالحهم الاقتصادية، أيضا من خلال بيع السلاح، دون الاهتمام بالناحية الإنسانية لهذه الحروب التي خلفت إلى اليوم آلاف الضحايا وملايين المهجرين.
إذاً دفعت قطر الجزية لسيد البيت الأبيض، وأعلن السفير القطري في واشنطن هذا الأمر بقوله إن الثمن قد دفع للأمريكيين، وبناء عليه فإن قطر خرجت من دائرة الاتهام الأمريكي ودون مقدمات حتى. بل أكثر من ذلك تم توجيه سفينتين حربيتين أمريكيتين إلى ميناء حمد القطري ليؤكد الأمريكي للدول الخليجية وعلى رأسها السعودية أنه من غير المسموح المساس بسلامة الأراضي القطرية.
هذا الأمر جعل السعودية والإمارات يشعرون بخيبة أمل كبيرة، والسبب أنهم راهنوا على سيدهم الأمريكي أكثر من الواقع. ومن المؤكد أنهم اليوم يبحثون عن السبيل لإعادة العلاقات مع قطر كما كانت ولو لم ترضخ الأخيرة لشروطهم. وهذا الأمر يتطلب بعضا من الوقت خاصة أن قطر نفسها لم تعد على عجلة لإعادة العلاقات وقد تمكنت من فتح مروحة كبيرة من العلاقات الرديفة التي تؤمن لها مستلزماتها الاقتصادية كما أن استقرارها الأمني بات مضمونا من الأمريكيين أنفسهم ناهيك عن الأتراك.
مسرحية تم تمثيلها بدقة، ولكن المضحك المبكي أن بعض الممثلين عاشوا أدوارهم واندمجوا في الواقع أكثر من اللازم، ونسوا أن الكاوبوي الأمريكي يبقى هو الرابح الوحيد في النهاية ولا يمكن أن يكون هناك أدوار ثانوية رابحة. نعم إنها قصة مضحكة مبكية وأكثر ما يدمي القلب فيها أن ضحايا حروبها أبرياء حقيقيون وليسوا مجرد كمبارس يؤدون أدوارهم لقاء أجر.