الوقت- الحذر الشديد هو ما يجب أن يتسم به الموقف العراقي الشعبي والسياسي إزاء أي طرح متعلق بأمن ومستقبل العراق، فكيف إذا تعلق الأمر بتلزيم شركة أمريكية صيانة وتأمين الحماية للطريق الدولي الذي يربط بغداد بعمّان.
فقد كشف النائب وعضو لجنة الأمن والدفاع النيابية موفق الربيعي عن أن شركة أوليف الأمنية هي نفسها شركة بلاك ووتر، التي غيرت اسمها بداية الأمر إلى كونستالس ومن ثم وبعد شراء شركة أوليف أو الزيتونة بالعربية باتت الشركة الأمريكية جاهزة للعودة مجددا إلى الساحة العراقية بحلتها الجديدة. حيث تمكنت وحسب من الحصول على مناقصة استلام وصيانة وتأمين الخط الدولي الذي يصل بغداد بالعاصمة الأردنية عمّان.
هنا لا بد من الإشارة إلى عدة مسائل مهمة مرتبطة بهذا الموضوع، المسألة الأولى: هذه الخطوة من الحكومة العراقية تنسجم مع توجهات أمريكية باستبعاد الحشد الشعبي والقوات الأمنية من بعض الملفات، ومؤشر خطير إلى عدم الثقة بالقدرات الداخلية العراقية، لذلك وبناء عليه يجب أن تُرفض تماما ويوضع حد نهائي لسياسة الاستعانة بشركات خاصة من أجل تأمين وحماية منشآت وبنى تحتية عراقية فكيف بطريق دولي يعتبر واحد من شرايين الحياة لبغداد.
ثانيا، المسألة الأكثر استفزازا اليوم للشعب العراقي هي أن الشركة التي سُلمت هذا الملف هي شركة بلاك ووتر نفسها سيئة الصيت ولكن بمسمى آخر، الشركة التي ارتكب أفرادها مجزرة بحق 14 عراقي أعزل في أيلول سبتمبر من عام 2007 خلال مواجهات معهم وسط بغداد.
أما حول الشركة الجديدة أي أوليف، فهي شركة خدمات أمنية مقرها الإمارات، ونشاطها الأساسي في العراق، تقدم خدمات حماية أمنية للمنشآت والإدارات الحكومية والشخصيات. واللافت أن خدماتها شبه محصورة في العراق رغم أن مكتبها الأساسي في الإمارات، وهذا يؤكد ما كشف عنه الربيعي. فشركة بلاك ووتر بدورها تتخذ من الإمارات مركزا أساسيا لها وكانت تقدم الخدمات الأمنية للعراق ودول الخليج حتى العام 2007م، حيث أخرجت من العراق وتم مقاضاتها من قبل الحكومة العراقية. ولكنها لا تزال تعمل وتنشط في دول الخليج وخاصة الإمارات حيث ونقلا عن صحف أمريكية وغربية منها نيويورك تايمز فالشركة تسلمت حماية السجون في الإمارات إضافة إلى وجود عقد بينها وبين حاكم أبو ظبي لتشكيل قوة سرية مؤلفة من 800 فرد لمكافحة الإهاب بكلفة تزيد عن 500 مليون دولار.
وبالنتيجة نستخلص أن اوليف (الزيتونة) إنما هي النسخة المعدلة من بلاك ووتر للدخول مجددا إلى الساحة العراقية بطريقة هادئة دون استثارة الشارع الناقم إلى اليوم على الشركة.
هذا الأمر ليس من الممكن السكوت عليه، فعلى الشعب العراقي والسياسيين الالتفات إلى الخطورة الكبيرة لعودة هذه الشركات للداخل العراقي تحت مسميات استثمارات اقتصادية في قطاع الطرق والجسور وتأمين فرص عمل لأبناء العراق وخاصة أبناء الأنبار.
ففي العراق يوجد إمكانات كفيلة بتأمين الطرق الدولية وحمايتها، فبعد النجاح الذي حققته القوى الأمنية العراقية والحشد الشعبي في مواجهة تنظيم داعش الإرهابي لن يكون من الصعب حماية المؤسسات والمنشآت والبنى التحتية الحيوية للعراق. خاصة أن أبناء هذا الشعب البطل جاهزون لتقديم الغالي والنفيس في سبيل عزة واستقلال بلدهم.
الأمر الآخر البالغ الأهمية هو أن هذه الخطوات إنما تشكل زيادة لعديد القوات الأمريكية في العراق ولكن بأشكال أخرى، وهذا ما أكده النائب عن جبهة الإصلاح منصور البعيجي الذي قال إن إحالة الطريق الدولي إلى شركة أجنبية بحاجة موافقة الكتل السياسية داعيا الحكومة للحذر من أي اتفاق مع الأمريكان.