الوقت- السياسة التي انتهجها دونالد ترامب خلال المئة يوم من حكمه اتجاه الأزمة في سوريا كانت زيادة التدخل الأمريكي في هذا البلد، وفي حال تمكن دونالد ترامب من إقناع موسكو في تعديل استراتجيتها اتجاه سوريا فإن سعيه سينصب على زيادة التدخل المباشر ودعم الإرهاب الذي يضرب سوريا منذ سنوات. وسط مخاوف من انزلاق هذا السيناريو ليصبح حربا أشد ضراوة في المستقبل.
بعد مرور مئة يوم من دخول ترامب البيت الأبيض، بدأت تتزايد الأسئلة حول قدرته على الوفاء بوعوده التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية، ومنها الوعود بالعمل على تقليص دور إيران في محيطها، إضافة إلى إنهاء الأزمة السورية وما صرحه حول هذا الموضوع.
واليوم يظهر أن ترامب ومن خلال زيادة تدخل بلاده العسكري المباشر في سوريا يريد فرض معادلة جديدة على الأرض يكون المتضرر الأساسي منها سوريا وإيران وحلفائهما الذين يواجهون المجموعات الإرهابیة المسلحة على الأرض من خلال استهداف هذه المجموعات.
الحرب بالوكالة هو أسلوب واشنطن القديم، حيث أن هذا الأمر قد تم تداوله بشدة أثناء الحرب الإسرائيلية على لبنان تموز يوليو 2006 على اعتبار أن حزب الله يمثل الذراع الإيرانية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحروب الثلاث على غزة. ولطالما شكلت أمريكا الداعم الأساسي لهذه الحروب التي تستهدف محور المقاومة بشكل عام وحلفاء إيران بشكل خاص. وفي سوريا أيضا فإن الحرب الدائرة منذ سنوات هي حرب بالوكالة لحلفاء واشنطن على النظام السوري.
أما عن الحرب بالوكالة، فهي أسلوب اعتمده الأمريكيون منذ عقود، فهو يؤمن مصالحها دون التدخل المباشر المكلف عسكريا وماديا وبشريا. فبالعودة إلى الوراء إلى أواخر القرن الماضي نستذكر حقبة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي ففي مناطق مثل فييتنام وشبه الجزيرة الكورية كان السعي السوفييتي والأمريكي إبقاء النزاع ضمن محيطه الإقليمي خوفا من الانجرار إلى حرب نووية شاملة بين القطبين. طبعا هذه المسألة أصبحت أكثر شمولية خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث اعتمد الأمريكيون سياسة دعم أذرعهم السياسية والعسكرية أكثر من ذي قبل والهدف ضرب العدو عبر هذه الأذرع وبأقل تكاليف ممكنة.
قراءة في الأزمة السورية وأسلوب واشنطن في حربها بالوكالة على سوريا
الأزمة السورية اليوم تعتبر أهم ساحة صراع دولية وحروب بالوكالة وأكثرها حماوة، حيث يحصي بعض المحللين 8 حروب بالوكالة على مساحة الخارطة السورية.
وبالشكل العام فإن هذه الحرب تشكل مواجهة مفتوحة بين جبهتين الأولى: النظام السوري ويقف معه الروسي والإيراني. وفي المقابل الأنظمة العربية الحليفة لأمريكا ومعها تركيا والغرب بشكل عام. وبالدخول في تفاصيل هاتين الجبهتين نجد حروبا بالجملة بالوكالة بين هذه الأطراف من خلال دعم الجماعات المتنازعة التي باتت معروفة الولاء كل لدولة ما.
أما إيران وانطلاقا من الحفاظ على أمنها القومي والإقليمي، فقد دعمت النظام السوري بشكل مباشر ومنذ الأيام الأولى للأزمة بكافة الأشكال وعبر إرسال مستشارين عسكريين، إضافة إلى دعم حلفائها من حزب الله والقوات الشعبية السورية ليتمكن النظام من الاستمرار ودحر الإرهاب الذي يهدف لإخراج سوريا من محور المقاومة.
التدخل الأمريكي بقي غير مباشر، حتى تاريخ 7 نيسان أبريل الماضي. حيث اكتفت الإدارة الأمريكية السابقة بتأمين الدعم السياسي والعسكري لمختلف اللاعبين على الساحة السورية من جهة ومن جهة أخرى سعت لتقوية تيارات تعتبرها معتدلة وعلمانية من أجل تقوية نفوذها على الساحة السورية.
التاريخ المذكور كان أول هجوم أمريكي مباشر على الجيش السوري، حيث استهدفت القوات الأمريكية مطار الشعيرات بصواريخ توماهوك، ردا على الهجوم الكيميائي الذي حصل في خان شيخون والذي اتهم فيه النظام السوري دون تقديم أي إثباتات واقعية. وفي وقت كان لا يزال الموقف الرسمي الأمريكي هو الدعوة للحل السياسي للأزمة. هذا التدخل المباشر حذرت من تكراره روسيا لأنه قد يؤدي إلى تدهور الأمور إلى أبعد من الحدود السورية.
خلاصة
هناك عوامل كثيرة منعت أمريكا إلى اليوم من التدخل المباشر في الميدان السوري، فعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية الجديدة اتخذت موقفا أكثر وضوحا من الأزمة السورية وبتصريح من كثير من مسؤوليها وعلى رأسهم ترامب. ولكن إلى الآن اكتفت أمريكا بحرب بالوکالة على سوريا دون التجرؤ على التمادي أكثر، ويبدو أن هذا التوجه سيستمر رغم استهداف مطار الشعيرات السوري.
من جهة أخرى يبقى الموقف الروسي أيضا الذي يتماهى مع مصالح سوريا وحلفائها عاملا مساعدا لاستمرار سياسة الحذر الأمريكية اتجاه سوريا، كما أن أمريكا تعلم علم اليقين أن هكذا حرب إذا ما نشطت فإن حلفاء سوريا لا بد سيدخلون بشكل أقوى في هذه الحرب لتوجيه ضربات مباشرة إلى القوات الأمريكية التي باتت متواجدة بأعداد لا بأس بها على الأراضي السورية.