الوقت- يوما بعد آخر يُسطر الشعب الفلسطيني أروع ملاحم النضال والصمود، فعلى رغم سياسة القتل والحصار والتنكيل التي يتبعها الكيان الإسرائيلي لم يتمكن من إخضاع كرامة هذا الشعب الأبي، الذي أثبت أنه شعب حيّ عنيد وجبار لم ولا يقبل الذل يوما، ومجددا ومن داخل المعتقلات الإسرائيلية، يواجه الأسرى الفلسطينيين سجانيهم بمعركة الأمعاء الخاوية، ليقولوا لعدوهم أن السبل لا تنقطع بهم في النضال، فكما يواجه أبطال هذا الشعب من أطفال وشيوخ من خارج السجون جنود الاحتلال بصدورهم العارية، وبسلاح الحجر يواجه الأسرى سجانيهم بأمعائهم الخالية ليعرف العالم أن قضيتهم لم تمت، لعل ضمائر مدعي الدفاع عن حقوق الإنسان الغارقة في سباتها تستيقظ لنصرة الحق في زمن عزّ وجود الناصر.
معركة الأمعاء الخاوية التي أطلق عليها "إضراب الحرية والكرامة" مستمرة منذ الاثنين الماضي، بمشاركة أكثر من 1500 أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال، وذلك للمطالبة بحقوق مشروعة يكفلها القانون الدولي لهم كأسرى، حقوق سلبها كيان الاحتلال منهم كما سلب أرض فلسطين وأحلام شعبها منذ أربعينيات القرن الماضي.
هذه المعركة التي أرادها الأسرى صرخة مدوية بوجه ليس الكيان الإسرائيلي فحسب بل بوجه العالم، بدأت تؤتي أكلها من خلال التضامن الشعبي العارم الذي واكبها، تضامن شعبي فلسطيني عربي ودولي، حيث تزامن بداية الإضراب مع مسيرات شعبية حاشدة على كافة الأراضي الفلسطينية، في يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف يوم 17 نيسان أبريل من كل عام. مسيرات رفع خلالها صور الأسرى وعلى رأسهم الأسير مروان البرغوثي "قائد الإضراب" ولا تزال فعاليات التضامن الفلسطيني مستمرة في الداخل والخارج. حيث بدأت الجاليات الفلسطينية في الدول العربية والغربية بنشاطات إعلامية وثقافية للإضاءة على هذه المعركة المجهولة لكثير من الشعوب وخاصة الغربية.
والجيد أن أصداء التضامن الشعبي بدأ يظهر للعيان، ففي أمريكا بدأت تظاهرات تضامنية شملت الجالية الفلسطينية إضافة إلى ناشطين مدافعين عن حقوق الإنسان. طبعا كل ذلك في مقابل صمت بل وإدانة رسمية من قبل الإدارة الأمريكية الترامبية.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الدول الأوروبية فقد بدأت حملة تضامن مع الشعب الفلسطيني في لندن وبعض المدن الأوروبية الأخرى، أيضا وسط صمت رسمي مهيب.
عربيا، التضامن الشعبي واضح، وقد تكون مصر والجزائر الدولتين الأكثر تضامنا مع حراك الأسرى الفلسطينيين، طبعا تضامن شعبي منتهي النظير في مقابل صمت رسمي مطبق، وكأن قادة الدول العربية قد حذفوا من أجندتهم اسم فلسطين وأهلها من حساباتهم.
نعم هذا ما فعله العرب، من دول خليجية وغير خليجية، وكيف لا؟ وقد بدأت هذا الدول بالتطبيع مع كيان الاحتلال، ولا تمر أيام دون الكشف عن تفاصيل جديدة عن توطيد العلاقات السياسية والعسكرية حتى مع كيان العدو. ضد ما يسميه قادة العرب العدو الإيراني حينا واليمني والسوري حينا آخر.
وبالعودة إلى التضامن الشعبي، ففي مصر أعلنت بعض الأحزاب تضامنها مع إضراب الأسرى الفلسطينيين، ومنها حزب الإصلاح وحزب التجمع، وبالتنسيق مع الجالية الفلسطينية بدأ الإعداد لسلسلة فعاليات تضامنية. منها اللقاء الذي جمع بعض الأحزاب مع ممثلين عن السفارة الفلسطينية في القاهرة البارحة الثلاثاء، حيث جرى التأكيد على الحقوق المشروعة للأسرى، كما أعلنت جمعيات مدنية وأهلية منها لجنة نساء مصر وفلسطين تضامنها الكامل مع الأسرى في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
في الجزائر، تضامن شعبي واسع مع الأسرى، ومسيرات ووقفات خلال يوم الأسير الفلسطيني. كما وجهت نخبة من الإعلاميين، المثقفين، الكتاب، جمعيات المجتمع المدني إضافة إلى منظمات حقوقية وإنسانية نداء يؤكد تضامنهم مع الأسرى في معركة الأمعاء الخاوية ضد الممارسات الإسرائيلية وقد جاء في بيانهم الكلام التالي: "بقدر ما تشكل قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني نقطة جوهرية وأساسية في النضال الوطني الفلسطيني والعربي والإسلامي ضد الاحتلال وطغيان هذا الكيان ومن يقف وراءه ويدعمه فهي تكتسي بعدًا إنسانيا عالميًا، ينادي كل الضمائر الحية في العالم للنظر إليها بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية لكونها من القضايا الجامعة والموحدة لجميع الأحرار داخل فلسطين وخارجها مهما كانت أطيافه".
يُذكر أن السجون الإسرائيلية تعج بأكثر من 6500 أسير فلسطيني، بينهم عشرات النساء وأكثر من 300 طفل قاصر. منتشرون على 24 سجن ومركز توقيف وتحقيق، ويعتمد الاحتلال سياسات لا إنسانية ولا قانونية في توقيف الفلسطينيين قد يكون أهونها ما يسمى بالاعتقال الإداري الذي يمكن بموجبه اعتقال أي فلسطيني وتمديد اعتقاله لفترات طويلة دون توجيه أي اتهامات واضحة له ودون السماح لمحام بالدفاع عنه أو مقابلته حتى.