الوقت- على الرغم من سعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال زيارته للشرق الأوسط و التي استغرقت ثلاثة أيام تقريبا لتشكيل "تحالف سني" يضم مصر والسعودية ودول أخرى لمواجهة ايران الى أن الحقائق على الارض تثبت أن هذا التحالف من الصعب إنشاءه عملياً، بسبب حجم التناقضات والخلافات بين أهم أعضاء هذا الحلف أي القاهرة والرياض.
ولم تفلح المحاولات الامريكية الحثيثة وقبلها محاولات وسائل الاعلام السعودية في التعتيم على الخلاف بين القاهرة والرياض أو اظهار أن الطرفين يعيشان حالة من التوافق والوئام أو حتى أنهما انخرطا في تحالفات متعددة التسميات عديمة الحضور الفعلي تارة في اليمن وتارة باسم تحالف عسكري اسلامي، يبقى الخلاف بين الجانبين أعمق من أن يتم التغطية عليه اعلامياً.
ونستعرض في هذا المقال أهم نقاط الخلاف بين السعودية ومصر، وسبب الجفاء بين البلدين الذي وصل في مرحلة ما الى حد الحرب الاعلامية الشبه رسمية والتي بمنظورنا لن يستطيع ناتو ترامب العربي أن يمر فوقها:
أولاً: الملف السوري؛ لطالما كانت سوريا والموقف من الأحداث الجارية فيها نقطة الخلاف الأكبر والأعمق بين مصر والسعودية، وبدى ذلك الخلاف واضحاً مع تصويت القاهرة قبل شهور في مجلس الأمن إلى جانب مشروع قرار روسي يصب في مصلحة الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد وهو ما أثار حفيظة السعودية ودفعها لاظهار غضبها من الموقف الرسمي المصري.
ثانياً: محاولات سعودية لفرض الاملاءات على مصر؛ فالملف السوري وعلى حساسيته، لم يكن نقطة الخلاف الوحيدة بين الرياض والقاهرة، وعلى الرغم من أن الرياض كانت الداعم الأكبر للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي منذ أن كان وزيراً للدفاع واطاحته بالرئيس "الاخواني" المعزول محمد مرسي، وتقديمها مساعدات اقتصادية كبيرة للقاهرة لكن العلاقات الثنائية لم تكن جيدة، بل ومتشنجة، بدى ذلك بشكلٍ جليٍّ مع زيارةِ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة مَطلع أبريل الفائت، والتي ارخَت مزيداً مَن التوتر على العلاقات الثائيةِ بدلاً من أن تخفض من حدته، و تولد شعور عام لدى الشعبِ المصريِّ أن العاهل السعودي يريدُ أن يتعاملَ مع القاهرة كالتابعَ المُثقل بقيود المديونية، وتهميشِ الدور الاقليميّ لمصر ليبقى أثير الاملاءاتِ السعودية، وهو ما أثار حفيظةَ الاعلام المصريِّ الذي كان في هذا الموضوع مرآةً حقيقيةً يعكس أراء الشارع.
ثالثاً: قضية تيران وصنافير؛ولم تفلح عشرات الاتفاقات الاستثمارية التي وقعها الملك سلمان في القاهرة، إضافة إلى اتفاق لإمداد القاهرة بالنفط لخمس سنوات بتكلفة 23 مليار دولار، في تبيضِ صفحةِ الرياض والمسؤولين السعوديين لدى الشارع المصريِّ، بل على العكس اعُتبرت تلك المليارات محاولةً سعوديةً لشراء مصر ليس فقط بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير بل أيضاً شراءَ موقع مصر الاقليمي في المنطقة، أو بالاحرى شراء القرار المصري اقليمياً ودولياً.
رابعاً:الملف اليمني؛ كذلك شكلَ العدوانُ السعوديّ على اليمن نقطةَ خلاف كبيرةٍ بين الرياض والقاهرة، وعلى الرغم من دعم مصر المعلن للعدوان السعوديِّ، الا أن القيادة المصرية رفضت زجَّ الجيش المصري في حربِ اليمن، وكانت المشاركة المصرية في العدوان خجولة إن لم نقل غير موجودة على أرض الواقع.
ابتزاز سعودي متواصل لمصر
ومع كل حديث عن تهدئة بين مصر والسعودية، تعود التوترات من جديد،اذ مرت العلاقات بين الطرفين بمراحل مفصلية هامة ازدادت تعقيداً مع استخدام الرياض لسلاحها المالي لابتزاز مصر سواء من خلال قرار شركة ارامكو السعودية بالتوقف عن إمداد مصر بالمواد البترولية وهو ما دفع القاهرة الى طرق الباب العراقي والكويتي لسدِّ احتياجاتها النفطية، مما أثار حفيظة الشارع المصري وشحن الرأي العام المصري بشكل كبير ضد السعودية وأمرائها.
ويتجلى الابتزاز السعودي بصورة أوضح من خلال تهديد الرياض في أكثر من مناسبة باسترداد وديعتها لدى البنك المركزي المصري، والتي تبلغ قيمتها 2 مليار دولار، وذلك على خلفية عجزِ الحكومة المصرية عن تمرير اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، أو ما بات يعرف بأزمة تيران وصنافير، وهو ما سيرخي بظلاله بشكل كبير على الاقتصاد المصري الذي يمرُّ حالياً بوضعٍ لا يحسدُ عليه، وهو اخر ما يتمناهُ المواطن المصريّ.
وما بين الأخذ والرد يبقى "التوتر المخفي" هو سيد الموقف بين مصر و السعودية، ولن تستطيع التحالفات الشكلية ولو وضع ترامب كل ثقله أن تغير تلك الحقيقة، فما يجمع الرياض والقاهرة سياسياً لا يكاد يذكر، وحجم الخلاف بين البلدين كبير جداً، ولعل قضية الارهاب هي أكبر تلك التناقضات، فمصر تكتوي بنار الارهاب وتعاني بين الفينة والأخرى من حوادث ارهابية دامية كان أخرها الهجوم الارهابي على قافلة تقل أقباطاً مصريا في محافظة المنيا في الصعيد والتي أدت لسقوط عشرات الضحايا، بينما القاصي والداني يعرف أن السعودية الداعم الاول للجماعات الارهابية والحاضنة الأساسية للارهاب من سوريا الى العراق وحتى الى ليبيا وباعتراف التقارير الاستخباراتية الغربية، رغم محاولة التركيز فقط على الدعم القطري للارهاب والحديث عن جماعة ارهابية مدربة في ليبيا.