الوقت - تحمل الانتخابات الفرنسية المقبلة جميع المقومات اللازمة لتترك بصمات كبيرة على سوق المال العالمية، وتضع على الطاولة خيار تفكك منطقة العملة الأوروبية المشتركة، اليورو.
فبعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات الأمريكية التي انتصر فيها ترامب، تصوبت الأنظار هذه المرة نحو فرنسا.
وحسب تقرير لمجلة فوربس، قد تؤثر الانتخابات الفرنسية على الاقتصاد الأوروبي تأثيرا كبيرا، ونتطرق أولا الى ذكر المرشحين للرئاسة الفرنسية، حيث يتقدم ثلاثة مرشحون ومن المرجح أن ينتقلوا الى المرحة الثانية:
1-فرانسوا فيون: مرشح الحزب الجمهور الفرنسي، أكبر أحزاب اليمين التقليدي في البلاد. تولى رئاسة الوزراء من عام 2007 الى 2012، ويُوصف بأنه اصلاحي ليبرالي يؤمن بأن فرنسا تعد الخيار المناسب لتصحيح مسار الاتحاد الأوروبي، لأنها من مؤسسيه. ويقترح فيون اعادة مراقبة الحدود من أجل التصدي لموجة النازحين.
2- إيمانويل ماكرون: مرشح الحزب الاشتراكي الذي تأسس في ابريل 2016، تولى وزارة الاقتصاد والصناعة والاقتصاد الرقمي من عام 2014 الى 2016، يدعم الاتحاد الأوروبي بقوة، وحصل على دعم من الشباب والمنتفعين من العولمة.
۳. مارين لوبان: مرشحة الجبهة الوطنية الفرنسية، حزب يميني، شعوبي وطني، تولت قيادة الحزب منذ عام 2011 وطهرته من العناصر المتطرفة، ونقلت صورة أكثر مرونة عن الحزب. وتعد لوبان معارضة شديدة للاتحاد الأوروبي وتدعم تخلي فرنسا عن اليورو. وقد تعهدت لوبان باخراج فرنسا من حلف الناتو العسكري.
النظام الانتخابي :
على العكس من النظام المعقد الذي تتبعه الانتخابات الأمريكية، فإن النظام الفرنسي بسيط جدا، بعد المرحلة الأولى للانتخابات، ينتقل الفائز الأول والثاني الى المرحلة الثانية، ليصوت الشعب لأحدهما في هذه المرحلة. ويفصل المرحلة الأولى عن الثانية 14 يوما يسمح للمرشحين أن يمارسوا الدعاية الانتخابية خلالها والائتلاف مع المرشحين الآخرين.
ويغيب الأشخاص المميزون عن هذه الدورة الانتخابية، فقد انسحب فرانسوا هولاند وآلان جوبيه وهما من السياسيين المحنكين والتقليديين. وكما في بريطانيا وأمريكا، يحاول المرشحون النأي بانفسهم عن النظام الحكومي والتقارب مع الشعب. وفي هذا الصدد تدعي لوبان أنها من خارج التشكيلة الحكومية والسياسية وتصور معارضيها على أنهم جزء من النظام السياسي للبلاد.
في فرنسا بالذات، لا يمكن انكار اهمية المناظرات الانتخابية وردود الأفعال الفورية التي تصدر في مواقع التواصل الاجتماعي تجاه اي شيء يُنشر. وتتصدر لوبان في هذا المجال حيث أنها تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي باكبر قدر ممكن، وتتهم المرشحين الآخرين بأنهم تقليديون، متحيزون الى النخب، كاذبون ولا يمكن التواصل معهم. وعندما يدعم المرشحون الآخرون التوجهات الوطنية فإن لوبان تهاجمهم وتتهمهم بمحاولة تقليدها من اجل الحصول على الأصوات.
ويمر العالم اليوم بوضع متأزم، فالهجمات الارهابية والفوضى في المدن قد تضرب في أي لحظة، وهذا يصب في صالح لوبان. وهذه الأمور تحصل عادة خلال التوتر السياسي أو تأثير وسائل الاعلام الكبير. وتستخدم لوبان معلوماتها عن فيون وعائلته وكذلك افتقاد ماكرون للقيم الاخلاقية التقليدية.
الأهم من ذلك هو أن لوبان ركبت موجة الوطنية مقابل العولمة. فقد أثبت المواطنون الأمريكان رغبتهم بأن تحل أمريكا أولا، وهم لا يبالون بالمشاكل التي قد يواجهونها بسبب تراجع العولمة والكلفة الاقتصادية لذلك أو تباطؤ النمو التقني، كما أنهم يطالبون بأن تُسمع انتقاداتهم للحكومة وطبقة الأشراف. وتسود أوروبا بصورة عامة وفرنسا على وجه الخصوص حالة مشابهة لذلك. ففرنسا لها تاريخ طويل في استقبال أمواج المهاجرين، وكانت موجة اللاجئين السوريين احد أصعب الهجمات التي تعرضت لها بسبب عددهم الكبير والاختلاف الثقافي والاقليمي الكبير، فظهرت نتيجة لذلك حركة قوية معارضة للهجرة في فرنسا شبيهة بتلك التي نراها اليوم في أمريكا.
فالشعب الفرنسي لا يدرك المنافع التي يحصل عليها من الانضمام الى اتحاد قوي أو التعامل بعملة مشتركة او العولمة، وسيحتفل الكثير من الفرنسيين بعودة تداول العملة الوطنية الفرنسية أي "الفرنك". ويقع اللوم في هذا على المسؤولين الذين انتخبهم الشعب ولم يتمكنوا من شرح فوائد هذه الأمور للشعب. حيث أن الكثير من هذه المصالح بعيدة الأمد وغير ملموسة حاليا ولا يمكن شرحها بعبارات قصيرة وشعارات.
وفي هذه اللحظات التاريخية، سيكون من الطبيعي أن تمضي فرنسا على خطى شركائها التجاريين. فإذا كانت بريطانيا تخرج من الاتحاد الاوروبي، فيما تعد امريكا تهديدا لدول الاتحاد الاوروبي (كما أعلن عنه مؤخرا) يجب ألا نتعجب إذا ما وضع الشعب الفرنسي مصالحه أولا خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.