الوقت- بعد زيارة قام بها للسعودية، حلَّ الرئيس اللبناني ميشال عون ضيفاً لدى الجانب المصري. وفي وقتٍ استبق فيه الزيارة بمواقف جريئة أطلقها خلال مقابلته مع التلفزيون المصري، بدت زيارته لمصر كدليلٍ على وجود توجهٍ إقليمي وعربيٍ جديد يُراعي الواقع السياسي الحالي ويأخذ بالإعتبار المعادلات الإقليمية الجديدة. حيث كان كلام عون عن أهمية دور حزب الله الدفاعي عن لبنان، وأهمية العلاقة العربية الإيرانية، وحتمية بقاء النظام السوري بالإضافة الى تطرقه لمسألة المصالح المسيحية وتناغمها مع المشروع الإيراني الذي رفض اعتباره خطراً عليها، كل ذلك جاء ليُثبت أن الحديث عن تبدُّل مسار ورؤية الرئيس اللبناني وقربه من الرياض، أمرٌ لا أساس له من الصحة. فماذا في الزيارة الإستثنائية للرئيس اللبناني الى القاهرة؟ وما هي أهم مواقفه التي سبقت الزيارة؟ وكيف يمكن تحليل ذلك؟
الزيارة الإستثنائية
استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القاهرة نظيره اللبناني ميشال عون أمس، في زيارة تُعتبر الأولى من نوعها منذ وصول الرئيس اللبناني أواخر العام 2016. خلال اللقاء، جرى التأكيد على العلاقات المتميزة التي تجمع البلدين. ومن المقرر أن تستمر زيارة عون إلى القاهرة ليومين يزور خلالها جامعة الدول العربية والكاتدرائية المرقسية ومشيخة الأزهر. وجاءت الزيارة بناءاً لدعوة من الرئيس المصري، وتهدف إلى تدعيم العلاقات الثنائية وإعادة تفعيل اللجنة العليا المشتركة وبحث التحديات التي تواجه المنطقة، لا سيما تطورات الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن وفلسطين، بالإضافة الى التعاون في مجال مكافحة الإرهاب. ومن المتوقع أن يلقي الرئيس اللبناني اليوم الثلاثاء، خطاباً أمام مجلس الجامعة العربية في اجتماعه على مستوى المندوبين الدائمين، يركز فيه على عرض رؤيته لاستعادة فعالية الجامعة العربية في حل الأزمات العربية وحفظ الأمن والإستقرار الإقليمي في الدول العربية.. بالإضافة الى عرض تصوراته لعلاقات لبنان على الصعيدين العربي والدولي وأهمية رفض التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول والعمل الجدي في مكافحة الإرهاب.
الرئيس اللبناني: حزب الله مكوِّن لبناني وسلاحه لا يتناقض مع مشروع الدولة
استبق زيارته إلى مصر بمقابلة أجراها مع قناة CBC المصرية يوم الأحد، والتي خرج فيها بعدة مواقف اعتبر فيها:
أولاً: على صعيد الأزمة السورية أكد الرئيس عون إن الدول المشاركة في مؤتمر استانة اعترفت بشرعية النظام السوري وبالتالي أيدت بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في الحكم. معتبراً انه لا عودة للأمن في سوريا دون الجيش السوري. مُقللاً من مستقبل المعارضة خصوصاً أنها تعاني من خلاف واقتتال فيما بينها.
ثانياً: فيما يخص الوضع الداخلي اللبناني، ومستقبل سلاح حزب الله، أكد عون أن السلاح ضروري طالما هناك أرض محتلة من قبل الكيان الإسرائيلي، وطالما أن الجيش اللبناني لا يتمتع بالقوة الكافية لمواجهة التهديدات الإسرائيلية. مؤكداً أن سلاح الحزب لا يتناقض مع مشروع الدولة. كما دافع عون عن مشاركة حزب الله في القتال في سوريا إلى جانب النظام السوري.
ثالثاً: على الصعيد الإقليمي، أكد عون أنه لا يمانع زيارة دمشق أو طهران. معتبراً أن السياسة الإيرانية لا تتناقض مع المصلحة العربية نافياً بشدة أن تكون لمشاريع إيران أي خطر على المسيحيين. مؤكداً على أهمية العلاقة العربية الإيرانية.
بين الزيارة ومواقف عون: تحليل ودلالات
عدة دلالات يمكن استخلاصها من خلال الزيارة والمواقف التي أطلقها الرئيس اللبناني وهي على الشكل التالي:
أولاً: كان عون قد افتتح جولاته العربية بعد انتخابه نهاية العام الماضي بجولة خليجية بدأها من السعودية، وقابل خلالها الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز. الأمر الذي اعتبره البعض إشارة إلى تبدلات في سياساته المحلية والإقليمية بعد سنوات ارتبط خلالها بحلف وثيق مع حزب الله. فيما جاءت زيارته لمصر لتُعيد النقاش حول صلابة التحالف الوثيق بينه وبين حزب الله خصوصاً بعد مواقفه الواضحة والجريئة تجاه حزب الله وسوريا وإيران،، والتي اطلقها خلال إطلالته التلفزيونية.
ثانياً: زيارة عون الى مصر عززت وجود توجه إقليمي جديد لمواجهة التحديات التي تُهدد المنطقة. فيما أكد عون من خلال مواقفه أن المصالح العربية لا تتناقض مع التفاعل الودي والمطلوب في العلاقة مع إيران. الأمر الذي له مدلولات عديدة على الصعيد العربي.
ثالثاً: عبَّرت الزيارة عن تأييد لبنان لمصر في جهودها الجبارة لقيادة مسار جديد وجدي فيما يخص مكافحة الإرهاب. وهو ما بدأته من خلال مواقفها الإيجابية في هذا الشأن تجاه الملفين السوري والعراقي.
رابعاً: أكدت الزيارة وجود قواسم مشتركة كبيرة بين الطرفين اللبناني والمصري فيما يخص التطورات الحاصلة في المنطقة والنهج الذي يجب اعتماده، الأمر الذي قد يُناقض الخيارات السعودية ويُخالفها. خصوصاً بعد وضوح الخلاف في الرؤية السياسية بين الطرفين المصري والسعودي.
إذن، جاءت زيارة عون المستمرة الى القاهرة، لتُثبت وجود توجهٍ إقليمي جديد. توجهٌ يراعي التوازنات الجديدة للأطراف الإقليمية. وهو الأمر الذي بدا واضحاً أن لبنان ومصر متفقان عليه. حيث بات الواقع العربي رهن الإعتراف بحقائق الواقع السياسي الجديد في المنطقة. لا نقاش حول شرعية الأسد. وحزب الله ضرورة لحماية لبنان. والعلاقات العربية الإيرانية هي حاجة عربية.