الوقت- بدأت البحريّة الأمريكية اليوم الثلاثاء مناورات بحرية في مياه الخليج الفارسي وبحر عمان بمشاركة أربع دول (ترايدنت الموحدة)، هي بريطانيا وفرنسا واستراليا، إضافةً إلى أمريكا على أن تستمر هذه المناورات حتى يوم الخميس.
في الشكل تهدف المناورة لتنفيذ جميع أنواع العمليات البحرية وتوجيه ضربات وإجراءات لمكافحة الألغام، إضافةً إلى سعى القوات المشاركة في مناورات "ترايدنت" لاختبار جاهزية القوات البحرية للدول الأربع لمواجهة عدد من التهديدات البحرية والجوية التقليدية وغير التقليدية. كما يدّعي أصحابها أنّها تهدف إلى تعزيز قدرات الدول المشاركة وخاصة في مجال حماية التجارة الدولية في الخليج الفارسي، وخطوط الملاحة، وضمان تدفق حركة السفن التي تغذي العالم بالطاقة في أكثر الممرات المائية ازدحامًا في العالم.
هذا في الشكل، وأما في المضمون يختلف الأمر كثير إذ تعد الذرائع أعلاه وسيلة لتحقيق أهداف تتعدّى هذا الممر المائي الاستراتيجي لموارد الطاقة في العالم، لإدراك هذه الدول قدرة إيران على إغلاق هذه المنطقة في حال تعرّضها لأي عدوان خارجي، بات مستبعداً في ظل قوّة الردع الدفاعيّة الاستراتيجية للجمهورية الإسلاميّة الإيرانية.
مضامين المناورة
عطفاً على ما سبق، تحمل هذه المناورة العسكرية الأمريكية الأولى في عهد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، والتي ستتولى القوات البحرية البريطانية قيادتها مضامين عدة، نذكر منها:
أوّلاً: تتزامن هذه المناورة مع أوضاع إقليمية ساخنة، وتصبّ هذه الخطوة بشكل عام في سياق "عسكرة المنطقة" من قبل هذه الدول، لأسباب نذكرها تباعاً، حيث تكفي الإشارة إلى أنّها تأتي بعد أيّام فقط على إنشاء قاعدة للناتو في الكويت، وهي القاعدة الأولى من نوعها في هذه المنطقة. وفي هذا السياق، صرّح الرئيس السابق للبحرية الملكية البريطانيّة الأدميرال اللورد وست أن توقيت المناوراتت مثير للقلق، وبالتالي يجب على القادة العسكريين أن يدركوا تمامًا تصاعد التوتر المحتمل في المنطقة، خاصة على خلفية تصريحات ترامب الأخيرة.
ثانياً: لم يكن عنوان هذه المناورة عن هذا الأمر ببعيد حيث ستتم في هذه المناورة محاكات مواجهة ما أسمته وسائل الإعلام الغربية بـ "التهديدات الإيرانية" والتصدي لهذه التهديدات المزعومة عسكريا، وبالتالي إيجاد المزيد من التوتّر بين إيران وجيرانها عبر استخدام سياسة "ايران فوبيا". تريد أمريكا، وبريطانيا، البعث برسائل الطمأنة إلى دول الخليج الفارسي، طمأنة لا تخلو من التهديداتت المزعومة والمبطّنة على حدّ سواء.
ثالثاً: ولعل أحد أبرز أسباب هذه المناورات، وعسكرة المنطقة بشكل عام هو إبرام المزيد من صفقات السلاح بين هذه الدول وتلك (السعودية والإمارات وقطر) التي تدرّ على الدول الغربية مئات المليارات من الدولارات. يؤكد مراقبون أن هذه الدول التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالبقرة الحلوب، وقعت فريسة سياسة "ايران فوبيا"، وبالتالي تبدو اليوم أكثر ضعفاً من السابق أمام ايران، لاسيّما على الصعيد الإقتصادي الذي يشكل أحد أبرز مصاديق القوّة لدول العالم عموماً، وهذه الدول الخليجية على وجه الخصوص.
رابعاً: لا يمكن التغافل عن كون هذه المناورات تصب في خانة "قاعدة الناتو" نفسها، أي أنّ هذه الدول تعزّز من حضورها العسكري في منطقة الشرق الأوسط بعد الحضور الروسي في سوريا. اعتمدت إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما استراتيجية "الإرتكاز الآسيوي"، أي الانسحاب نحو التنين الصيني، رغم أن إجراءاتها لم تكتمل، لكن ما نشاهده اليوم يتعارض وهذه الاستراتيجية إلى حدّ ما. ويعيد البعض هذا التعارض الجزئي إلى الحضور الروسي في المنطقة كما أسلفنا أعلاه.
خامساً: رغم أن البعض حاول وضع هذه المناورات في سياقها الطبيعي للمناوارت المشتركة التي تجريها هذه الدول بشكل دوري، إلا أن الحديث عن سيناريو التهديدات الإيرانيّة المفترضة تؤكد نيّة هذه الدول إيجاد حالة من التوتّر بين إيران وجيرانها، وإظهار دول الناتو على هيئة اللاعب الدولي الذي يحفظ أمن الخليج الفارسي ويحول دون تنفيذ التهديدات الإيرانيّة المزعومة.
لا شك أن إيران التي تبدي امتعاضها من أي حضور عسكري غربي في المنطقة، وتدعو لاعتماد استراتيجية "الأمن الذاتي" بين الدول الثماني المطلّة على الخليج الفارسي، لن تتأثر بهذه المناورات التي تأتي قبل فترة وجيزة على مناورات الولاية 95 التي سيجريها الجيش الإيراني على بعد ألفي كيلو متر من ميناء "جابهار" وفي المياه الدولية الحرة، فضلاً عن 25 مناورة تجريها القوّات الإيرانية سنويّاً في المجالات المختلفة مثل " الصواريخ، وتحت المياه وفوق المياه"، وفق ما أعلن قائد القوّة البحريّة للجيش الإيراني حبيب الله سيّاري.
لطالما تطلّعنا إلى أن تكون هذه المناورات المشتركة بين ايران وجيرانها العرب في منطقة الخليج الفارسي، ومناورات تحاكي تهديدات إسرائيلية ومواجهات بحرية مع الكيان الإسرائيلي لفكّ الحصار عن غزّة وكافّة الأراضي الفلسطينية، ولكن ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه.