الوقت- بكل صلافة وتجاهر، اعلنت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي اثناء اول زيارة لها الى الخليج الفارسي بعد توليها لمنصبها ان بلادها تنوي العودة الى هذه المنطقة، وأتى هذا الاعلان في وقت تخرج فيه بريطانيا من الاتحاد الاوروبي ولذلك يمكن القول ان عودة الاستعمار البريطاني العجوز الى الخليج الفارسي لها اهداف تتعلق ببريطانيا وحدها وليس كل الاوروبيين، وان بريطانيا تبحث عن اسواق جديدة لدعم اقتصادها على طريقتها الاستعمارية القديمة.
وتشكل الدول العربية في الخليج الفارسي والتي كانت مستعمرات بريطانية فيما مضى افضل الخيارات بالنسبة لتيريزا ماي وقادة بريطانيا الذين يريدون الاصطياد في الماء العكر على الساحة الدولية.
ويعتقد الخبراء ان سياسة الاستدارة نحو شرق آسيا التي بدأها باراك اوباما في البيت الابيض الأمريكي سوف تستمر في عهد دونالد ترامب لأن السياسة الاقتصادية للأخير تعتبر الصين اكبر المنافسين كما ان القوات الامريكية التي تم ارسالها الى شرق آسيا والمحيط الهادئ لن يتم سحبها ولذلك فإن عودة بريطانيا الى الخليج الفارسي سيمنع حصول الفراغ الغربي في هذه المنطقة فبريطانيا حليفة موثوقة بالنسبة للأمريكيين ولذلك يمكن الجزم ان هذه المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من سباق التسلح وازدياد التعقيد الأمني فيها. وبغض النظر عن الاهداف البريطانية للعودة الى هذه المنطقة فهناك ايضا عوامل وأسباب اقليمية أثرت على اتخاذ البريطانيين لهذا القرار وأبرز هذه الأسباب هي:
1. تأجیج الخلافات العربیة الایرانیة من قبل أمریکا
وقد عمد الأمريكيون الى صب الزيت على نار الخلافات العربية الايرانية من اجل حفظ الهيمنة الامريكية وضمان أمن الكيان الاسرائيلي ولذلك رفضت هذه الدول العربية كل المقترحات الايرانية لانشاء منظومة امنية محلية بمشاركة دول المنطقة وبادرت الى تعزيز ترسانتها من السلاح.
وقد اشتدت هذه الحالة بعد انطلاق الصحوة الاسلامية في الدول العربية واندلاع الحروب بالإنابة في دول المنطقة واذا أضفنا ذلك الى الأداء الأمريكي السيء إزاء الدول العربية فعندئذ يمكن فهم أسباب توجه الدول العربية الخليجية تجاه بريطانيا ومد يد العون نحو لندن التي لها تجربة سابقة في التواجد في هذه المنطقة.
2. التبعية السياسية والأمنية للدول الخليجية للغرب
أدت تبعية أمراء وملوك الدول العربية في الخليج الفارسي للغرب من اجل ضمان استمرار حكمهم وعروشهم الى انصياع هذه الدول بالكامل للإملاءات الاجنبية وهذا هو سبب وجود خطاب بغيض والتحدث عن هلال شيعي او مثلث سني او العداء بين العرب والفرس وما شابه ذلك.
واذا لم تتبلور سياسات مشتركة بين دول المنطقة من اجل ارساء الأمن فإن الظروف تبقى مهيأة للحضور والتواجد الغربيين، فالدول العربية في هذه المنطقة تحاول "شراء" الأمن في مواجهة ايران وهذا وهم أوجدته الايرانفوبيا الغربية في أدمغة الأمراء الخليجيين.
ان بريطانيا وبعد ان اشتدت نيران الطائفية والصراع بين المسلمين في الشرق الاوسط اختارت العودة اليها والقيام بلعب دور فيها ولذلك رأينا مجاراة بريطانيا للهجوم الامريكي على ليبيا وسعي ديفيد كاميرون للمشاركة في عدوان امريكي كان وشيكا على سوريا وفي عام 2015 اتفقت بريطانيا مع البحرين لاعادة بناء قاعدة الجفير البحرية في ميناء سلمان في هذا البلد.
وكان لبريطانيا تواجد قديم في هذه القاعدة، كما ان الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البحرين والطائفية المقيتة التي تسكن في رؤوس حكام البحرين دفعت هؤلاء نحو الإرتماء في أحضان بريطانيا ومنح القاعدة البحرية لها.
ولذلك نرى مجيء رئيسة الوزراء البريطانية الى الخليج الفارسي بعد شهر من افتتاح هذه القاعدة البحرية للمشاركة في قمة دول مجلس التعاون في المنامة وهذا يكشف بوضوح عن طبيعة الحلم الذي راود البريطانيون.
وقد قام البريطانيون ايضا بافتتاح مركز تدريب لقوات المشاة في عمان ومركز قيادة جديدة في دبي لقيادة القوات البريطانية في الخليج الفارسي، وهذا التوجه العسكري الذي يسبق التوجهات السياسية والاقتصادية في التعامل مع هذه المنطقة يكشف حقيقة السياسات البريطانية المقبلة في الخليج الفارسي حيث اعلنت تيريزا ماي وايضا وزير خارجيتها بوريس جونسون في المنامة ان بريطانيا عادت الى المنطقة لتعزيز دورها الأمني والعسكري.