الوقت – بعد تحرير مدينة حلب السورية من يد الارهابيين شهدت مواقف بعض الدول الإقليمية تغييرا ما أدى الى فتح الباب أمام احتمال انتهاء الازمة السورية، ونظرا الى أهمية هذه القضية أجرى موقع الوقت التحليلي الاخباري حوارا مع الخبير في القضايا الاقليمية هادي أفقهي حول اوضاع مدينة حلب والسياسة التركية في المرحلة المقبلة تجاه الازمة السورية، وكان الحوار على النحو التالي:
الوقت – نظرا الى تحرير حلب بعد فترة طويلة من احتلال الارهابيين لقسم منها كيف هي اوضاع هذه المدينة الان؟
أفقهي: ان اوضاع حلب هي الان مستقرة لكن الأمر لم يحسم بعد فرغم سيطرة الحكومة بالكامل على حلب تبقى هناك مسألة رئيسية وهي ريف حلب وخاصة ريفها الشرقي الذي يتصل بإدلب التي تعتبر خزان سلاح ورجال للجماعات الإرهابية المسلحة.
ان كافة الجماعات الارهابية المسلحة التي كانت موجودة في حلب انتقلت الى إدلب بعد الهزيمة والان يمكننا القول ان إدلب هي على وشك الإنفجار، ان الارهابيين وبعد ان استقر بهم الحال في إدلب وجهوا تهديدات الى الجيش السوري وحذروه من مغبة التوجه نحو ادلب.
ويقع 50 بالمئة من إدلب تحت سيطرة جبهة النصرة الارهابية وحلفائها، اما القسم المتبقي فهو تحت سيطرة باقي الجماعات الارهابية التي ليست لها علاقات جيدة مع النصرة ولذلك نقول ان إدلب هي على وشك الإنفجار لأن اردوغان يمارس الضغوط الان ويريد التعويض عن خسارة حلب على طاولة مفاوضات السلام وينوي الحضور والمشاركة في هذه المفاوضات.
اما السبب الثاني للإنفجار المرتقب فهو النزاعات بين الجماعات المسلحة الارهابية، والسبب الثالث ايضا يتعلق بتحرك الجيش السوري نحو ادلب وباقي المناطق المحتلة من قبل الارهابيين في سوريا ولذلك يمكن القول ان اوضاع مدينة حلب مستقرة لكن اوضاع محافظة حلب ومنها مدينة الباب الواقعة على بعد 24 كيلومترا من حلب والتي تشهد هجوما تركيا عليها تحتاج الى مزيد من الجهد والتخطيط من جانب الجيش السوري من اجل تحرير المناطق المحتلة.
ان لتحرير حلب أهمية جيوسياسية وجيوستراتيجية في سوريا وفي المنطقة ايضا لكن لايمكننا ان نجزم بأن امريكا قد تراجعت في قضية حلب بل نجد بأن واشنطن اعلنت الغاء حظر بيع السلاح للارهابيين اثناء احتدام المعارك في حلب وعندما أوشكت حلب على التحرير.
ان امريكا بذلت كل ما بوسعها للاحتفاظ بحلب حتى آخر لحظة لكنها لم تنجح في ذلك وكان انهيار الارهابيين والمحور المعادي لسوريا في حلب سريعا جدا، ورغم ذلك حاول الغرب التخفيف من وطأة الهزيمة في حلب عبر شن حرب اعلامية ونفسية ولذلك نجد بأن مجلس الامن يجتمع 4 مرات على الاقل في شهر واحد ومثل هذا الامر لم يحدث اثناء اية حروب سابقة، ولذلك أؤكد ان ما جرى في حلب قد غير الكثير من المعادلات وسيغير الكثير ايضا.
الوقت: ما هو تقييمكم للسياسة التركية الحالية في سوريا؟ هل تغيرت النظرة التركية حيال سوريا حقا؟
أفقهي: لم تتغير السياسة التركية ازاء سوريا على الإطلاق، ان تركيا حاولت منذ البداية إسقاط الأسد والان تسعى لتحقيق الهدف نفسه ولذلك لايمكن ان نعتبر المفاوضات المرتقبة في أستانا مؤشرا على تغيير النهج التركي، ان تركيا بالاضافة الى ايران وروسيا يهيئون الظروف لانطلاق حوار سوري- سوري ومن المقرر ان تشرف هذه البلدان الثلاثة على هذا الحوار.
الوقت: اذا كان الامر كذلك ففي أي اطار يمكن وضع الضمانات التركية فيما يخص الجماعات الارهابية؟ ألا يعني ذلك تغييرا في السياسة التركية تجاه الارهاب؟
أفقهي: ان الضمانات التركية فيما يخص وقف اطلاق النار لاتعني تغيير السياسة التركية ازاء سوريا لأن الأتراك حينما بدأوا تدخلهم العسكري في شمالي سوريا اعلنوا في البداية بأن هدفهم هو محاربة داعش ثم قالوا انهم يريدون منع تكوين فيدرالية كردية في شمالي سوريا وبعد ذلك تذرعوا بقضية ايجاد منطقة حظر للطيران والان يعلنون جهارا انهم يريدون تغيير النظام السوري واسقاط الأسد، وقد إحتج الروس على ذلك ولذلك أقول ان الهدف النهائي لتركيا هو اسقاط الأسد وان هذا الهدف لم يتغير ابدا لكن الأتراك قد أجبروا على تغيير تكتيكاتهم بسبب ما حصل في حلب وهزيمة الجماعات الارهابية التي كانوا يدعمونها، ونظرا الى خلافات تركيا مع أوروبا وأمريكا بشأن القضية الكردية وبشأن الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا فإن الأتراك إختاروا التقارب من روسيا وأعلنوا بأنهم مستعدون حتى لدفع دية الطيار الروسي الذي اسقطوا طائرته، اما روسيا فهي بالتأكيد ترحب بالتقارب التركي نحوها كما ترحب ايران ايضا بهذا التغيير التكتيكي التركي لأن المعيار بالنسبة لإيران هو أداء الأتراك.
نحن في المرحلة المقبلة سندخل موضوع الضمانات التركية وهي مرحلة حيوية فيما يخص وقف اطلاق النار لكننا نجد الان بأن الجماعات المدعومة من تركيا يعلنون تعليق وقف اطلاق النار، ورغم هذا لاتستطيع هذه الجماعات فعل ذلك لأن هذه الجماعات قد أصبحت معزولة ومهمشة الى حد كبير ولذلك فإنها مجبرة على العودة لطاولة المفاوضات حتى اذا كان ذلك بهدف انقاذ نفسها، ان التحركات التي تستهدف قلب طاولة المفاوضات الان هي تحركات تقوم بها جماعات ارهابية محسوبة على السعودية وقطر والتي تم تهميشها وتحجيمها في سوريا والان نجد بأن هؤلاء يحاولون العودة الى الساحة عبر هذه التحركات.
الوقت: يبدو ان بعض الجماعات المسلحة يرفضون المفاوضات خلافا لتركيا التي تدعم هذه المفاوضات، ما هي الأسباب؟
أفقهي: هناك الان بعض الجماعات المسلحة التي ابتعدت عن تركيا رغم ان هذه الجماعات كانت مدعومة من تركيا قبل تحرير حلب لكن في الحقيقة فإن هدف تركيا في تغيير النظام السوري لم يتغير ابدا بل ان الأتراك يفضلون الان دعم المفاوضات التي تدعمها روسيا وايران والتعاون مع هذه العملية فقط من أجل التعويض عن هزيمتهم في حلب وعدم الابتعاد عن الساحة السورية لكن هذه السياسة التركية تتعارض بشدة مع توجهات بعض الجماعات المسلحة التي تعتقد بعضها بأن تركيا قد خانتهم وطعنتهم في الظهر، ومن جهة أخرى نرى تزايد عمليات داعش الارهابية في تركيا بعد تحرير حلب بشكل غير مسبوق وان هذا التهديد الذي يوجهه داعش الى تركيا بعد تحرير حلب هو ردة فعل للجماعات الارهابية ضد تركيا حيث تعتقد هذه الجماعات ان أنقرة تخلت عنهم لمصلحة روسيا بعد تحرير حلب.
ان ابابكر البغدادي الذي يقود تنظيم داعش الارهابي قد اصدر بيانا مؤخرا دعا فيه عناصر داعش الى التوجه الى تركيا واحراق هذا البلد، ان ردود داعش ضد تركيا تدل على حصول شرخ بين تركيا وبين بعض الجماعات المسلحة الارهابية ومنها داعش رغم استمرار تركيا في السعي لاسقاط النظام السوري.
ان تركيا تعلم ايضا بأن تحرير حلب هو نهاية الطريق، فهذه المدينة التي كان من المقرر ان تصبح عاصمة للمعارضين والمسلحين الارهابيين قد خرجت من يدهم وان باقي الجبهات مثل ادلب او تدمر ليست لها أهمية ولن تحفظ مكانة المسلحين الارهابيين في سوريا، وهذه الحقيقة هي التي تدفع تركيا نحو القبول بدعم المفاوضات لكن اذا عجزت تركيا عن ضمان وقف اطلاق النار من قبل الجماعات المسلحة فإن المفاوضات لن تعقد أو انها ستفشل وستكون دون جدوى على غرار الجولات السابقة.