الوقت - مع وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، ستتوضَّح التوجهات السياسة الدولية لأمريكا. خصوصاً بعد أن اتصفت تصريحاته خلال المعركة الإنتخابية بالكثير من الغموض. ومن ضمن الملفات التي تُشكل أهمية بالنسبة لأمريكا دولياً، علاقتها مع الصين. وهنا فإن التنافس الواضح بين الطرفين على زعامة العالم إقتصادياً بدا ظاهراً خلال السنوات السابقة. الأمر الذي جعل ترامب يخرج بتصريحات وضعها المحللون في خانة السعي لإعادة إيجاد وفرض شروطٍ جديدة في العلاقة مع الصين تجارياً. فماذا في مظاهر الحرب التجارية بين البلدين والتي لاحت مع وصول ترامب؟ وما هي الحقائق التي يجب معرفتها؟ ولماذا تحتاج هذه العلاقة لإيجاد التوازن؟
مع وصول ترامب للبيت الأبيض: مظاهر الحرب الإقتصادية والتجارية تلوح في الأفق
عدة امور یمکن لحاظها من خلال تصریحات ترامب وهي:
- أعلن ترامب أثناء حملته الإنتخابية أنه سيفرض ضرائب مرتفعة على البضائع المستوردة لا سيما الصينية. فتعهد برفع ضرائب استيراد بعض البضائع وبالدرجة الأولى السيارات الصينية بنسبة 45%، بهدف دعم الشركات الأمريكية. وهو ما يقول الخبراء أنه سيعود بالضرر على العلاقات الأمريكية الصينية التي تحكمها قواعد أرستها الإدارات الأمريكية السابقة بشكل يؤدي للتوازن على الصعيد الدولي.
- خلال شهر تشرين الثاني من العام المنصرم، أكدت السلطات الصينية أن بكين ستتخذ اجراءات مقابلة في حال انتقل ترامب لترجمة تصريحاته بشكل عملي. وقالت صحيفة ""Global Times الصينية إن السلطات تعهدت باتخاذ خطوات مشابهة ضد أمريكا عبر فرض ضرائب مرتفعة على البضائع الأمريكية، ليس فقط السيارات الأمريكية بل وأجهزة التقنيات العالية وتحديداً الأجهزة الذكية.
- بعد انتخابه كرئيس لأمريكا، طالب ترامب منظمة التجارة العالمية بتصنيف الصين كدولة تتلاعب بعملتها بهدف رفع صادراتها وهو ما اعتبره المحللون تمهيداً للطريق أمام الكونغرس الأمريكي لفرض عقوبات عليها. مما دفع نائب وزير التجارة الدولية الصيني "جانغ شيانغشين" بالتعهد بالدفاع عن حقوق الصين في منظمة التجارة العالمية مؤكداً أن بلاده تراقب عن كثب السياسة الدولية لترامب.
- خلال منتصف شهر كانون الأول من العام المنصرم، هدد ترامب بعدم الإعتراف بعد الآن بمبدأ "الصين الواحدة"، معتبراً أن ذلك يجب أن يحصل شرط مقايضته بمصالح أمريكية لا سيما تجارية تتخلى الصين عنها. وهو ما جاء بعد تنديد الصين بالإتصال الذي جرى بين ترامب ورئيسة تايوان. الأمر الذي دفع الصين رداً على هذه التصريحات بتحذير واشنطن بأن سياسة الصين الواحدة غير قابلة للتفاوض مؤكدة أن الصين قد تقوم بتقديم الدعم العلني لأعداء أمريكا في حال قامت واشنطن بدعم استقلال تايوان وزيادة مبيعات الأسلحة لها.
حقائق يجب معرفتها
عدة أمور يجب معرفتها قبل تحليل حقيقة العلاقة التجارية بين الصين وأمريكا وهي كالتالي:
أولاً: تعاني واشنطن من اتساع عجزها التجاري مع الصين والذي بلغ العام الماضي 366 مليار دولار. فيما يجب الإلتفات الى أن العديد من الشركات الأمريكية تعتبر الصين سوقاً استراتيجية لها. ومنها شركة "جنرال موترز" الأمريكية والتي باعت خلال العام الجاري 2.37 مليون سيارة في الصين. مما يعني أن أي أزمة مع الصين ستضر بالشركات الأمريكية أيضاً.
ثانياً: يعتبر الكثير من المحللين أن دونالد ترامب سيتراجع عن تهديداته غير المنطقية بعد دخوله للبيت الأبيض. خصوصاً أن واشنطن ستكون مضطرة لاحترام التزاماتها كونها عضوا في منظمة التجارة العالمية التي تقيد حرية أعضائها في فرض رسوم جمركية على أي دولة أخرى عضو فيها.
ثالثاً: خرق دونالد ترامب المبادئ الدبلوماسية الأمريكية الجاري العمل بها منذ 40 عاماً، عبر الإتصال الهاتفي المباشر الذي جرى مع رئيسة تايوان. حيث أن واشنطن قطعت علاقاتها مع تايوان عام 1979 وذلك لتجنب إغضاب الصين ودفاعاً عن مبدأ "الصين الواحدة".
حقيقة العلاقة التجارية بين الصين وأمريكا: إيجاد التوازن ضرورة!
بناءاً لما تقدم، ومن خلال معرفة أهمية التوازنات الإقتصادية العالمية، يمكن قول التالي فيما يخص حقيقة العلاقة التجارية بين أمريكا والصين:
أولاً: إن النظرة الأمريكية تجاه الصين تختلف عن نظرتها تجاه روسيا. حيث يُدرك الطرفان الأمريكي والصيني أنه لا مصلحة لأي منهما في خلق أرضية للصراع حول تزعُّم العالم إقتصادياً. خصوصاً أن المنظومة الإقتصادية العالمية أصبحت شديدة التعقيد في ظل تشابك واضح بين اقتصاد الدولتين. الأمر الذي يخلق مصلحة مشتركة تدفع الطرفين لإيجاد توازن بينهما تبقى نتائجه رهن قدرتهم على تحقيق ذلك دون المساس بمصالح بعضهم البعض.
ثانياً: يرى العديد من الخبراء أن الواقع الحالي يُنبئ بأن الصين ستتغلب على أمريكا في النفوذ الإقتصادي العالمي. في حين يُشير هؤلاء الى أن الإقتصاد الأمريكي ما يزال يتمتع بتفوق على الإقتصاد الصيني نتيجة وجود المجتمع المفتوح ومتعدد الثقافات الأمر الذي يخلق بيئة ديناميكية تعزز التفوق الإقتصادي للسوق الرأسمالي المفتوح الذي تتمتع به أمريكا. فيما تسعى واشنطن لإرساء قواعد سياسية وعسكرية في تعاطيها مع الصين عبر استخدام أدوات اقتصادية. وهو ما يبقى رهن المستقبل بين الطرفين.
ثالثاً: تسعى الصين من جهتها لخلق حلفاء لها من الدول النامية خاصة تلك التي لا تستفد كثيراً من الدعم الأمريكي، وذلك بهدف تدعيم مؤسساتها المالية الخاصة في الخارج، وإيجاد نوع من التوازن مع السياسة الأمريكية الدولية. وهو ما يمكن أن يكون مشروع طريق الحرير والذي سيصُب الأموال الصينية في آسيا الوسطى خير دليل على ذلك. الى جانب مساعي الصين للتقرب من إيران والتي تُشكِّل بوابتها الوحيدة للشرق الأوسط.
اذن یسعی الطرفان لإيجاد واقع قويٍ يُساهم في خلق توازنٍ دوليٍ على الصعيد الإقتصادي. في حين يجب انتظار سياسات ترامب العملية والتي ستُحدد طبيعة الرد المقابل من الجانب الصيني. حيث أن الحقيقة الوحيدة التي يمكن الإيمان بها الآن تتعلق بأن الطرفين يقتنعان بضرورة إيجاد توازن إقتصادي دولي يحكم العلاقة بينهم. لكن المستقبل هو فقط، من يُحدد نتائج توجهات الطرفين!