الوقت- جاء الاتفاق الإطاري بين إيران والدول الست الكبرى في مدينة لوزان السويسرية حول الملف النووي الإيراني ليشكل منعطفا كبيراً في السياسة العالمية، وليكشف مرة جديدة عن الدور الحقيقي (الاقليمي والدولي ) الهام الذي تحتله الجمهورية الاسلامية الايرانية. وأثبت هذا الاتفاق مرة أخرى وباعتراف دولي هذه المرة بحق طهران في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية من جهة، وتعزيز المكانة السياسية الايرانية ليس على مستوى المنطقة فقط وإنما على مستوى إدارتها لملفات حساسة مع المجتمع الدولي من جهة أخري .
حيث توالت ردود الأفعال العربية المرحبة بهذا الاتفاق الاطاري على المستوى الرسمي والشعبي، بينما تقاطع الموقف الرسمي والاعلامي السعودي مع موقف الكيان الاسرائيلي. تقاطع رأت فيه جريدة لوموند الفرنسية في افتتاحيتها اول الاسبوع الجاري هدفاً واحداً لكل من الرياض وتل ابيب . فرحبت الاولى بقلق تلاقى على ما يبدو مع القلق الصهيوني الذي اعتبر الاتفاق مهدداً لوجود الكيان برمته. حيث أعلنت الرياض بشكل رسمي ترحيبها الحذر بالاتفاق النووي بين ايران والدول الست الكبرى، وأعرب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز في اتصال مع الرئيس الأمريكي عن أمله في أن تعزز التسوية النهائية للنزاع النووي من استقرار وأمن المنطقة والعالم. ترحيب كشف الإعلام الممول من السعودية كذبه ونفاقه حيث رأى فيه مراقبون لهذه القنوات أن يعكس ما أرادت الرياض أن تخفيه رسمياً لتظهر نواياها إعلامياً .
فالسعودية دعت واشنطن مراراً وعلى لسان العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز الى ما أسمته "قطع رأس الأفعى"على حد تعبيره ومهاجمة النووي الإيراني. حيث أفردت قناة العربية السعودية أغلب مساحات برنامجها للتشكيك في الاتفاق وقدرته الفعلية على الصمود حتى حزيران المقبل موعد توقيع الاتفاق النهائي، وجيشت القنوات الدائرة في فلك السياسات الخليجية عموماً والسعودية خصوصاً جيشاً من ما تسميهم تلك القنوات المحللين السياسيين والمفكرين "العرب"، وكانت البوصلة موجهة طول الوقت على تلك القنوات عن تأكيد فكرة أن السعودية ودول الخليج لها دور مهم ولا يمكن لواشنطن ان تتخلى عنها .
الى ذلك وصل الأمر ببعض هذه القنوات الى اعتبار اتفاق لوزان النووي بين ايران والدول الست الكبرى قد شكل ما أسمته اختلافاً داخل الجمهورية الاسلامية بين المرحبين والرافضين، ولم تر هذه القنوات التي عودتنا على الكذب غير منافقي خلق وما لف لفيفهم من المنافقين والمنبوذين لتستشهد بهم على صحة ادعاءاتها. ادعاءات رأها البعض أضغاث أحلام ليس أكثر. حيث يقول محللون سياسيون إن ما يثير قلق الاعلام الخليجي لا يتعلق كثيرا بالتوصل لتسوية نووية نهائية، وإنما بحدوث تقارب أمريكي إيراني يقوي شوكة طهران ويشجعها على تعزيز نفوذها بالمنطقة .
حيث رأى مصدر مقرب من المسؤولين السعوديين أن المملكة قلقة من أن يكون هذا الاتفاق، الذي توصلت إليه طهران مع الدول الست الكبرى، سبباً لتخفيف الضغط الدولي عن إيران، وهو ما قد يمنح طهران مجالا أرحب لتسليح وتمويل وكلائها الذين تعارضهم الرياض في المنطقة. بدورها أفردت وسائل الاعلام القطرية والبحرينية مساحات واسعة من جداول اعمالها لاتفاق لوزان، واعتبرت من خلال كتّابها أن أمن المماليك العربية في دول الخليج مهدد بقولها إن وضع ايران يمهد لما وصفته التدخل المتزايد في الشأن الداخلي لدول المنطقة على حد ما وصفها .
أما فيما يتعلق بالاعلام المصري فقد سعت هذه القنوات الى التماشي مع السياسة الرمادية التي تنتهجها سلطة عبد الفتاح السيسي منذ توليه مقاليد الحكم في مصر. فذهبت وسائل الاعلام التلفزيونية حيث أرادتها حكومة السيسي وانحصرت ردود الأفعال فيها في الأمل بأن يكون اتفاق الإطار الذي توصلت إليه إيران مع القوى الست الكبرى خطوة أولى تساعد على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط. وعبر الاعلام المصري بشكل واضح في أغلب النقاشات الحوارية عن الرغبة في التوصل إلي اتفاق نهائي بحلول 30 يونيو القادم بما يسهم في تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ويمنع الانجرار إلى سباق للتسلح لا ينتهي .
وذكرت الصحف الصادرة في مصر أن بلادهم كانت تدعو دوماً لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وكافة أسلحة الدمار الشامل، "وهو هدف تحرص مصر وتعمل بشكل حثيث على تحقيقه دعماً للأمن والاستقرار في المنطقة". بدوره أكد إعلام المقاومة عن النتائج الايجابية المتوقعة لاتفاق ايران والدول الست الكبرى الذي تم في مدينة لوزان السويسرية، وعبرت وسائل الإعلام السورية والعراقية عن التفاؤل بهذا الاتفاق لما يخدم قضايا المنطقة . وطالب الاعلام العراقي برفع كل العقوبات الاقتصادية عن الشعب الايراني باعتبار أن العراق عاش فترة كبيرة من الحصار الذي أودى بحياة الآلاف إبان حكم صدام حسين. واعتبرت القنوات التلفزيونية والصحف الصادرة في البلدين ان الاتفاق النووي سيزيل بؤرة التوتر من المنطقة . وأكدت ان عدم التوصل الى اتفاق كان من شأنه ان يؤدي الى المزيد من المشاكل والتوترات ، المنطقة في غنى عنها “.
بدورها أكدت بعض وسائل الاعلام اليمنية واللبنانية ان الاتفاق النووي من شأنه ان يكون عاملا لحل جملة من المشاكل التي تواجهها دول المنطقة ، لتتركز الجهود الدولية من اجل محاربة الارهاب والتطرف مؤكدة ضرورة اعتماد اسلوب الحوار في سبيل حل المشاكل والازمات والابتعاد عن الحروب او التدخلات العسكرية .