الوقت- في تأكيد جديد على استعار الحرب الالكترونية بين الدول المختلفة وفي اعتراف صريح بفعالية هذه الحرب الصامتة، أصدر الرئيس الامريكي باراك اوباما امراً تنفيذياً بفرض عقوبات على قراصنة الانترنت الامريكيين والاجانب بشكل يتيح للحكومة تجميد ارصدة الاشخاص المتورطين في هجمات الكترونية على اهداف امريكية .
وقال اوباما في بيان أصدره البيت الابيض ان القرصنة الالكترونية تشكل احدى التحديات الجادة امام الامن الاقتصادي والقومي في أمريكا، مضيفا ان إدارته تعمل على استراتيجية شاملة لمواجهة هذا الخطر .
وأكد ان الامر التنفيذي الجديد يقدم مجموعة اساليب لمحاربة "اخطر تهديد من الانترنت يمكن ان تتعرض له أمريكا"، موضحا ان الامر يمنح وزير الخزانة الامريكي بالتعاون مع المدعي العام ووزير الخارجية حق إصدار عقوبات على الاشخاص او الجهات المسؤولة عن القرصنة الالكترونية .
أوباما الذي يرأس الدولة التي كانت سباقة في مجال الحرب الالكترونية أكد عزمه على توظيف سلطات الإدارة الامريكية بما في ذلك التعامل الدبلوماسي وآليات السياسة التجارية وتطبيق القانون لمواجهة التهديد الذي تشكله الجهات المتسببة بالقرصنة الالكترونية .
مضيفا بأن الأمر التنفيذي يدعم استراتيجية الإدارة الامريكية الواسعة من خلال إضافة سلطة جديدة لمكافحة تهديدات الانترنت الأكثر خطورة التي تواجهها أمريكا حسب زعمه .
هذا التصريح الجديد الصادر من البيت الأبيض يقرأه المتابعون على أنه بوابة جديدة لعقوبات جديدة يمكن لأمريكا استخدامها ضد من تعتبرهم أعداء صامتين من دون أن تكسر الستاتيكو الحاصل مع هؤلاء وجر العالم الى حرب تعرف أمريكا أن ثمنها لا يمكن تحمله .
تصريح الرئيس الأمريكي تغافل عن دور بلده الذي افتتح هذا النوع من الحروب دون أن يحسب العواقب من جميع الزوايا، وكون أمريكا التهديد الأكبر لدول العالم في مجال القرصنة المعلوماتية لا يحتاج الى كثير من البحث والتدقيق. فبالعودة الى الماضي القريب نجد الهجوم الأمريكي على منشآت صينية حكومية، حيث وجهت الحكومة الصينية أصابع الاتهام بشكل مباشر الى أمريكا مع ما صاحبه من توتر في العلاقات الدبلوماسية الهشة أصلا، سعت بعدها أمريكا الى ضربة استباقية متهمة 5 ضباط صينيين بالوقوف وراء هجمات الكترونية ضد مصالح أمريكية، فقامت الصين بدورها في 19 أيار 2014 باستدعاء السفير الأمريكي في بكين، ماكس باوكوس وسلمته احتجاجاً على قيام أمريكا بتوجيه التهم بالسرقة الالكترونية للضباط. كما قامت أمريكا من قبل بإطلاق هجمات الكترونية ضد شركات تشغيل اتصالات وجامعة تسينغهوا في الصين، كما ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ .
دول أخرى أيضا لم تكن بمنأى عن تلك الهجمات التي تختلف أسبابها وخلفياتها، فقد هاجمت أمريكا كلاً من روسيا وكوريا الشمالية والبرازيل وفنزويلا وغيرها للاطلاع على ملفات سرية ان كان في مجال السياسة أو الأمن أو العسكر .
كما أن البرنامج النووي الايراني الذي لم تستطع أمريكا والكيان الاسرائيلي إيقافه عسكريا حاولت اختراقه عبر فايروس خبيث "استاكس"، حيث تسبب هذا الهجوم بتعطيل عدد من الحواسيب في المنشآت النووية وسرقة بعض البيانات قبل أن تستدرك ايران الأمر وتوقف الهجوم عبر خبراء ايرانيين. وفي هذا المجال تقول شركة كاسبرسكي التي يقع مقرها في موسكو إنها وجدت الكمبيوترات الشخصية في 30 بلدا مصابة ببرنامج أو أكثر من برامج التجسس الأمريكية، وإن أعلى نسبة إصابة كانت في إيران تليها روسيا وباكستان وأفغانستان والصين ومالي وسوريا واليمن والجزائر. وتتضمن أهداف التجسس شركات ومؤسسات ودوائر حكومية وعسكرية واتصالات وبنوك وشركات طاقة وأبحاث نووية وإعلام ونشطاء اسلاميين. ورغم أن كاسبرسكي امتنعت عن ذكر البلد الذي يقف وراء عمليات التجسس إلا أنها أشارت أن هذه البرامج ترتبط ارتباطا وثيقا بفيروس ستكس نت Stuxnet وهو الاداة الفتاكة التي استخدمتها وكالة الامن القومي الأمريكية لمهاجمة برنامج تخصيب اليورانيوم في إيران. وتضطلع وكالة الامن القومي الأمريكية بمسؤولية جمع المعلومات الاستخباراتية الإلكترونية في أمريكا. وقد أكد صحة هذه المعلومات عميل سابق لدى وكالة الأمن القومي الأمريكية متحدثا عما هو أعظم من ذلك .
اذا فأمريكا وبناء على ما تقدم من معلومات وغيرها الكثير الذي لا يسمح المجال لذكره، تعتبر الى جانب الكيان الاسرائيلي من أكثر الدول التي تهدد أمن الدول العدوة وحتى الصديقة خدمة لمصالحها ومنعاً من تعزيز قدرات الطرف المقابل، انما خروج أوباما عن صمته واتخاذ تدابير جديدة يعتقد أنه من شأنها الحد من هذه الهجمات، يؤكد أمرين أساسيين :
أولا: أمريكا لم تعد بمنأى عن الهجمات الالكترونية من قبل العديد من الدول التي راكمت خبرات في هذا المجال الذي لا يحتاج الى ميزانيات ضخمة، وقد أوجعت هذه الهجمات الحكومة الأمريكية لدرجة جعلت أوباما يهدد القراصنة والدول التي تقف ورائهم في أكثر من مناسبة .
ثانيا: تحاول أمريكا اغتنام فرصة لفرض عقوبات جديدة على الحكومة الايرانية تضاف الى العقوبات التي فرضتها أمريكا بحجج الارهاب والتي أعلنت أنها لن ترفع تلك العقوبات كونها لا ترتبط بالموضوع النووي، فيرى المحللون أن أمريكا رغم الوصول الى تفاهم حول الاتفاق النووي لن تترك ايران من دون عقوبات تقيدها وتمنعها من التقدم بسرعة طبيعية .
فرض العقوبات على الدول والأشخاص، عصا أمريكية باتت لا تثمن ولا تغني من جوع، خصوصا في مجال الحرب الالكترونية التي يبقى جنودها مجهولين عادة، حتى الدول المهاجمة يصعب تحديدها بدقة لاعتمادها على أسلوب التضليل، الا أن أمريكا لا تحتاج الى دليل أو برهان فالتهمة حاضرة والمتهم ليس له حق الدفاع .