الوقت- على بعد ساعات من اعلان تحرير حلب بالكامل، تبث وسائل الاعلام الغربية المعارضة للنظام السوري صورا حقيقة وأخرى مزورة في محاولة منها للمبالغة في تصوير حجم المأساة في حلب. وبعد أن قطع الشك باليقين في أن هذه المساعي محض دعاية واجندات اعلامية يبقى السؤال هو: من المسؤول عن هذه الكارثة؟
يلفظ المسلحون والارهابيون الذين استقروا في حلب على مدى خمس سنوات مضت، أنفاسهم الأخيرة في هذه المدينة بعد دخول عمليات تحرير المدينة وتطهيرها المرحلة الأخيرة.
وفي ظل هذه الظروف، تستنفذ وسائل الاعلام الغربية والكثير من معارضي حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، آخر ما لديها من اجل وقف العمليات ومنح الارهابيين فرصة لتعزيز مواقعهم واستعادة انفاسهم، وظهرت هذه الجهود في اطار حملة اعلامية كبيرة حول حجم المأساة الإنسانية في حلب.
وهنا يتضح وبسهولة أنه إذا كانت حلب تعاني من الكارثة الإنسانية واسعة النطاق، فإن هذه الفاجعة لم تضرب مدينة حلب فحسب، بل أن سوريا أجمعها تعيش اليوم مأساة إنسانية؛ وهي المأساة التي بدأت منذ قرابة ستة أعوام بدعم من أمريكا، تركيا، السعودية وبعض الدول العربية، ومن الواضح أيضا أن هذه الحكومات وزعمائها هم من فضل مصالحهم السياسية على أرواح أبناء الشعب السوري وأموالهم وأعراضهم.
وتتوفر الكثير من الوثائق في هذا المجال، وكثيرة هي التقارير التي نُشرت حول الدعم السعودي والقطري غير المحدود لداعش في سوريا الى الدعم الأمريكي والغربي والتركي العلني للمسلحين ومنهم "جبهة فتح الشام" والذين يحلمون جميعا باسقاط نظام بشار الأسد؛ من دون أن يلتفتوا الى المأساة الإنسانية والحرب الطاحنة التي ستدور في سوريا.
وعند الاشارة الى أحدث التقارير المنشورة في هذا الصدد، يجب أن نذكر التقرير المهم واللافت الذي نشرته مجموعة الازمة الدولية بعد ثلاث سنوات؛ إن هذا التقرير يكشف مدى أهمية الحلم المشار إليه واهتمام بعض الدول ومنها تركيا بتحقيقه الى درجة تعريضهم حياة الشعب السوري للخطر.
في أيلول عام 2013، أي بعد ثلاثة أشهر من انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني، قدمت إيران خطة سلام لأنقرة وشملت الخطة: وقف اطلاق النار، تشكيل حكومة وحدة وطنية وتعديل الدستور لتحديد صلاحيات الرئيس؛ والأهم من كل ذلك أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السورية كانت ستتم بعد ذلك تحت اشراف الأمم المتحدة.
وتباحث وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف مع نظيره التركي، داوود اوغلو لعدة أشهر ولكنهما لم يتوصلا لاتفاق بسبب رفض الأخير لمشاركة الأسد في الانتخابات حتى لو كانت تحت اشراف الأمم المتحدة وعلى الرغم من أن تركيا تدعي أن الأسد لا يملك قاعدة جماهيرية.
وقال الرئيس التركي آنذاك، عبدالله غول لمعدي التقرير: حكومتنا لم تتابع الاتفاق مع إيران في حينها، لأنها كانت تظن أن الأسد سيسقط بعد أشهر.
ويقول التقرير: ترى أنقرة أن خسائر الأسد في الميدان كانت ستنهي الحاجة للتوصل الى اتفاق، أو أنها كانت ستحسن معادلات عقد الاتفاق.
ويضيف التقرير: بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، عادت إيران وتركيا الى طاولة المفاوضات، وعلى الرغم من استمرار الخلاف حول مصير الأسد، فإنهما ركزتا على الشؤون الأخرى. ولم تحقق هذه الجولة من المفاوضات نتيجة بسبب اتخاذ أنقرة قرارا بدخول قواتها الى سوريا من دون اطلاع طهران.
إن هذه الوثائق التي نشرت بعد ثلاث سنوات تكشف بوضوح الدول التي بدأت الفاجعة الإنسانية في وسوريا ودعمتها، ولم تلتفت الى أبعاد الفاجعة بل ركزت على تحقيق أجندتها السياسية المريضة على حساب أرواح الشعب السوري وممتلكاته.
في الحقيقة إن المأساة الإنسانية في سوريا عميقة، وعميقة جدا. وهي عميقة الى درجة أن التاريخ سيذكرها دائما على أنها وصمة عار على جبين السياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين، ولكن من المسؤول عنها؟
حاليا تسوق وسائل الاعلام الأجنبية مثل بي بي سي، فوكس نيوز، نيويورك تايمز، رويترز، واشنطن بوست وغيرها صورا مريعة للجرائم التي حصلت في سوريا، وتحاول اقناع الرأي العام العالمي بأن سوريا، الأسد وإيران يقومون بجرائم حرب في سوريا وينفذون مجازرا ضد المدنيين؛ ولكن ما لا تذكره وسائل الاعلام هذه هو أن أمريكا، الغرب، تركيا والبلدان العربية في المنطقة هم المسؤولون عن هذه الجرائم. وإن من يقتلون اليوم بالقصف الروسي والنيران السورية، ليسوا مواطنينا بل ارهابيين كانوا يعيشون على أمل انفاذهم من قبل حلفائهم.
مما لا يُقال أن الولايات المتحدة انتهكت الهدنة واستهزأت بها عبر استهدافها الجيش السوري، إن تركيا ما تزال تطارد حلم اضعاف الحكومة المركزية السورية عبر اقتحامها حدود سوريا، ان داعش والارهاب عززوا مواقعهم في سوريا اثر ضعف الحكومة المركزية وان الأسلحة السعودي والقطرية التي ترسل الى سوريا أدت الى استمرار حرب كانت لتنتهي قبل سنوات.
الحقيقة هي أن الكارثة في سوريا واسعة النطاق، ولكن بث هذه الصور من قبل المسؤولين عن هذه المأساة والداعمين لها أمر مثير للخجل الى درجة التقيؤ.