الوقت- في ظل الحديث المتزايد عن الدور الروسي في السياسة العالمية، خرج الى العلن ما يمكن وصفه تحذيراً إستباقياً روسياً، يتعلق بالقدرة العسكرية الروسية، في ظل ما تشهده شبه جزيرة القرم من وضعٍ، يحاول فيه كل طرفٍ سياسيٍ تحقيق مكاسب مسبقة. وهذا ما يتضح من الدور الروسي والأمريكي الحالي هناك. فماذا في التصريحات الأخيرة للرئيس بوتين والتي بثها التلفزيون الرسمي الروسي من خلال الفيلم الوثائقي.
"عودة القرم الى روسيا"؟
أعادت موسكو التأكيد أن القرم إقليم روسي، رافضة مناقشة وضع شبه الجزيرة هذا مع أي طرف، بما في ذلك أمريكا. وقد أضاف المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف في تصريحٍ له أنه: "ليس هناك أي احتلال للقرم كما تزعم واشنطن، القرم أحد أقاليم الإتحاد الروسي". في الوقت نفسه أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن "قاذفات استراتيجية حاملة للصواريخ من طراز "تو-22 إم 3" ستتوجه إلى القرم في إطار اختبار مفاجئ لجاهزية سلاح الجو الروسي". لكن الأخطر في المستجدات المتعلقة بهذا الموضوع، كان ما تداوله الفيلم الوثائقي "عودة القرم إلى روسيا"، والذي بثه التلفزيون الرسمي الروسي، يوم الأحد الماضي بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لإعادة توحيد شبه جزيرة القرم.
فقد جاء في البرنامج إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن روسيا كانت مستعدة في اذار 2014 لاستنفار قواها النووية لو حصل تدخل عسكري غربي في شبه جزيرة القرم الأوكرانية التي ضمتها موسكو قبل عام. وقال بوتين "كنا مستعدين للقيام بذلك"، مضيفاً أن القيادة الروسية كانت مستعدة لمواجهة "المنعطف الأسوأ الذي كان يمكن أن تتخذه الأحداث". وأوضح أن الجيش الروسي كان نشر في القرم بطاريات صواريخ دفاع ساحلية من طراز "باستيون" وأسلحة من شأنها ردع أي بارجة أميركية كانت آنذاك في البحر الأسود عن التدخل. وأضاف "إنها بطارية الدفاع الساحلي الأكثر فاعلية حتى الآن. وفي مرحلة معينة، ولإفهام الجميع أن الدفاع عن القرم مؤمن، نقلنا هذه البطاريات الى هناك". وتابع بوتين في تصريحاته "كنا نجهل يومها" ما إذا كان الغرب سيتدخل عسكريا، "لذا، كنت ملزماً إعطاء التعليمات الواجبة لقواتنا المسلحة (...) وإصدار أوامر تتعلق بموقف روسيا وقواتنا المسلحة في كل الظروف". وروى الرئيس الروسي "تحدثت الى زملائنا (الغربيين) وأبلغتهم أنها أراضينا التاريخية، إن روساً يقيمون هناك، إنهم في خطر وإننا لا نستطيع التخلي عنهم". وقال أيضا "كان موقفاً صريحاً وواضحاً. ولهذا السبب، لا أعتقد أن أحداً ما كان يرغب في إشعال نزاع عالمي".
كما كشف الرئيس الروسي عن قيام بلاده بإنقاذ الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش من محاولة اغتيال خططها لها منظمو الانقلاب ضده. وقال بوتين "دعوت رؤساء أجهزة استخباراتنا ووزارة الدفاع في الكرملين وخططنا لمهمة إنقاذ حياة الرئيس يانوكوفيتش، وإلا كان سيتم قتله". ونقلت وكالة الانباء الروسية (تاس) عن بوتين قوله في البرنامج "أجهزتنا لتحديد الأماكن من خلال الإشارات اللاسلكية بدأت في متابعة موكبه وفي كل مرة يتم الإتصال به هاتفياً وحددت موقعه". وتابع "كانت هناك مدافع رشاشة بأعيرة كبيرة ولم يكن هناك مجال لإضاعة الوقت .. كنا على وشك نقله من دونيتسك براً أو بحراً أو جواً. حدث هذا ما بين الـ 22 و 23 من (تشرين اول/اكتوبر الماضي)". ونفي بوتين ايضاً إتهاماتٍ لبلاده بأنها كانت تخطط لضم شبه جزيرة القرم. وذكر بوتين أنه كانت هناك "قومية متطرفة" واضحة خلال الإحتجاجات الضخمة في أوكرانيا قبل عام. واستطرد بوتين قائلاً: "وبعد ذلك وهذا ما أريد أن أشدد عليه ظهرت فكرة بأننا لا يمكن أن نترك الناس في هذ الموقف وحدهم". واتهم بوتين أمريكا بتقديم الدعم لقوميين في أوكرانيا خلال الإحتجاجات التي شهدتها الجمهورية السوفيتية السابقة قبل عام وقال إنها ساعدت على تجهيز مفارز في غرب أوكرانيا وقد جرى التحضير كذلك في بولندا وفي ليتوانيا بصورة جزئية. واشار بوتين إلى أن بلاده منحت شعب القرم الفرصة للبت في مستقبله من خلال التصويت، وأكد أنه كان سيتصرف بنفس الطريقة لو أعيد نفس الموقف مرة أخرى. وأوضح بوتين أن القرم كانت أثناء الصراع بمثابة "قلعة". مشيراً إلى انه تم تعبئة نحو 20 ألف فرد من أفراد أسطول البحر الأسود المتمركزين هناك بالإضافة إلى تواجد عشرات من أنظمة الدفاع الجوي المضاد للطائرات وأسلحة ثقيلة أخرى بما في ذلك مدرعات في شبه الجزيرة "لكن روسيا لم ترسل فرقا إضافية".
وتابع الرئيس الروسي قوله إن القرم وسيفاستوبل أصبحتا مناطق روسية فقط بعد إجراء استفتاء، حيث اختارت غالبية السكان الانضمام إلى الاتحاد الروسي، ووفقا لمعاهدة الانضمام يعتبر كل سكان القرم مواطنين روسيين إلا إذا قدم الشخص المعني طلباً خطياً لرفض الجنسية الروسية والإبقاء على الجنسية الأوكرانية.
بناءاً لهذا التقرير يتبين لنا أن الرئيس الروسي، استطاع إظهار حجم القوة التي تستطيع فرضها روسيا ساعة تشاء. فالجميع يعرفون كيف تتدخل أمريكا والغرب للعمل على إضعاف روسيا من خلال إثارة المشاكل بينها وبين أوكرانيا. ولكن الرسالة التي وجهها الرئيس الروسي الى العالم، تشير الى قوة الموقف الروسي وقدرته الكبيرة على المناورة السياسية. لكن السؤال الأهم الذي يطرح نفسه اليوم: هل يمكن أن تشتعل الحرب النووية بين الدول الكبرى قريباً؟