الوقت- يعتبر القرآن الكريم اليوم من أكثر الكتب مبيعاً في بريطانيا، وتوجد نسخ منه في 1500 مسجد في بريطانيا، وفي منازل أكثر من 2.7 مليون مسلم، بالإضافة للمكتبات والمتاحف والمؤسسات التعليمية البريطانية. ولكن رحلة القرآن الكريم إلى بريطانيا لم تكن سهلة على الإطلاق، فقد تم منعه، وحرقه، والإساءة إليه والشك فيه حتى أصبح جزءاً من الحياة في بريطانيا في الوقت الحاضر.
العداء للقرآن في عصر الملكة إليزابيث الأولى
ازدهرت التجارة بين بريطانيا والدول المسلمة في البحر المتوسط في القرن السادس عشر، واعتنق الكثير من البحارة والتجار البريطانيون الإسلام نتيجة لاختلاطهم واتصالهم بالمسلمين. وقد سبب هذا الكثير من القلق للملكة إليزابيث الأولى، لأنه جاء في وقت كان فيه الأتراك العثمانيون يقومون بغارات على سواحل البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، حتى وصلوا للإغارة على السواحل الغربية لبريطانيا عام 1625. كما أن المزاج العام كان معادي للإسلام، وكثرت الحروب الكلامية والانتقادات للإسلام، وتجلى هذا في مسرحية "تيمور لنك" لكريستوفر مارلو عام 1588 التي تجاوزت على قدسية الرسول الأكرم (ص) وتضمنت مشهداً لحرق القرآن الكريم.
الملكة إليزابيث الأولى
المُستَعرب البريطاني الأول
زاد الاهتمام بدراسة الإسلام خلال القرن الثامن عشر، وخصصت جامعة أكسفورد مقعداً دائماً لدراسة اللغة العربية شغله إدوارد بوكوك. كان بوكوك أول مستعرب (أو مستشرق) بريطاني. وكان بصفته رجل دين مسيحي يرى بأن القرآن ليس حقيقياً، ولكنه كان ينتقد الدراسات المسيحية السابقة للإسلام لكونها معتمدة على ترجمات خاطئة للقرآن، ولذلك كان يدعو إلى دراسة عقلانية تاريخية للإسلام. وكان بوكوك صديقاً للفيلسوف البريطاني "جون لوك" وقام بتعليمه بعض العربية.
تمثال لإدوارد بوكوك
أول ترجمة إنجليزية للقرآن
أول ترجمة كاملة للقرآن الكريم للغة الإنجليزية قام بها جورج سايل، وهو محامي وهاوي لغات من مدينة كِنت. قام سايل بالترجمة مباشرةً من اللغة العربية، وكان لهذه الترجمة تأثير بالغ حتى وإن شابتها بعض الأخطاء. وحتى ذلك الوقت كان القرآن الكريم يُعتبر بمثابة هرطقة بالنسبة للمسيحيين، وكان دافع جورج سايل لترجمته هو إيصال كلمات القرآن للمسيحيين من أجل تكوين نقد مبني على أسس علمية للقرآن والإسلام.
القرآن في قاعات المحاكم البريطانية
مع إتساع الامبراطورية البريطانية عبر العالم، أصبح لزاماً عليها التعامل مع الكثير من الديانات للشعوب التي تحكمها. وكان غير المسيحيين يعتبرون بمثابة "كفار" ويحظر عليهم القسم بالكتاب المقدس في قاعات المحاكم. ولكن تم وضع هذا الأمر تحت الاختبار عام 1738 عندما تم طلب شهادة شخص مغربي مسلم في قضية ضد حاكم جبل طارق (مدينة واقعة في جنوب أسبانيا وهي تخضع لبريطانيا حتى اليوم)، حيث سمح له القاضي بالقسم على نسخة من القرآن. وإستغرق الأمر بعد ذلك حوالى 240 عاماً حتى تمت مساواة القرآن بالكتاب المقدس في المحاكم البريطانية وفقاً لقانون القسم في عام 1978.
انتشار الإسلام في بريطانيا
مع إنفتاح الامبراطورية البريطانية على ثقافات عدة، بدأ الاهتمام يزداد بدراسة الإسلام والقرآن. وفي عام 1869 كان اللورد ستانلي أول بريطاني يعتنق الإسلام ويصبح عضواً في مجلس اللوردات (الغرفة العليا للبرلمان البريطاني). وبعد ذلك بعشرين عاماً، إفتتح المحامي ويليام هنري كويليام "معهد ليفربول المسلم" وساعد على إعتناق أكثر من 600 بريطاني للإسلام. كما حاول كويليام ترجمة القرآن الكريم لتصحيح أخطاء ترجمة جورج سايل، ونشرها على سلسلة في جريدته "الهلال". وفي عام 1889 أيضاً تم إفتتاح أول مبنى بُني خصيصاً ليكون مسجداً في مدينة "ووكينج".
ويليام هنري كويليام
الحرب العالمية الأولى
خلال الحرب العالمية الأولى تم تجنيد أكثر من 500 ألف جندي هندي، ويُعتقد أن أكثر من ربعهم كانوا مسلمين. وقد حارب الجنود الهنود في حملة بلاد الرافدين في العراق ضد الدولة العثمانية. وكان الجيش البريطاني حريصاً على إحترام تعاليم وتقاليد الهنود منذ التمرد الهندي ضد الحكم البريطاني عام 1857. وكان كتيّب تعليمات الجيش البريطاني ينص على إحترام كافة التقاليد والتعاليم الدينية للجنود الهنود، وأن أي فعل ينبغي ألا يتعارض مع أي أمر ديني أو نص مقدس.
جنود هنود مسلمون يصلون أمام مسجد شاه جيهان في ووكينج عام 1916
الترجمة الإنجليزية التي غيّرت كل شيء
يرجع الفضل في تغيير نظرة وفهم المجتمع البرطاني للقرآن لروائي بريطاني شهير إعتنق الإسلام وهو "مارمادوك بيكتال". وكان مارمادوك ملمّاً باللغة العربية لكثرة أسفاره إلى بلاد المشرق، وقام بالترجمة مباشرة عن العربية من المصحف الملكي المصري المطبوع سنة 1924م. وكان لترجمته تأثير على ترجمة يوسف على الإنجليزية، التي تُعتبر الترجمة الأكثر إنتشاراً حالياً.
محمد مارمادوك بيكتال
أول قراءة للقرآن في الإذاعة البريطانية
في السادس من أكتوبر عام 1935 تم إذاعة ترتيل للقرآن الكريم لأول مرة في هيئة الإذاعة البريطانية ضمن برنامج يسمى "أبو الهول". وتم تسجيل القراءة في القاهرة بصوت القارئ الشيخ محمد رفعت، الذي يُعتبر من أشهر قرّاء القرآن الكريم حتى اليوم. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يسمع فيها معظم البريطانيون القرآن الكريم مباشرةً.
القارئ الشيخ محمد رفعت
مهرجان العالم الإسلامي
إفتتحت الملكة إليزابيث الثانية مهرجان العالم الإسلامي في لندن عام 1976، والذي يعتبر أكبر إحتفاء بالثقافة والتراث الإسلامي في بريطانيا حتى ذلك الوقت. وضم المهرجان عروضاً في معظم متاحف ومعارض بريطانيا عن التراث الإسلامي، وتم عرض أكثر من 140 مصحفاً في مكتبة الملك في داخل المتحف البريطاني، والتي تمثل مختلف المراحل والعصور الإسلامية.
معرض المصاحف داخل المتحف البريطاني
القرآن في مجلس العموم البريطاني
في الانتخابات العامة لعام 1997، أصبح "محمد ساروار" أول مسلم بريطاني يتم إنتخابه كعضو في مجلس العموم البريطاني (الغرفة السفلى للبرلمان البريطاني) طبقاً لنصوص قانون القسم الصادر عام 1978. وأدى ساروار يمين الولاء واضعاً يده على نسخة من القرآن الكريم داخل مجلس العموم. وخلال انتخابات عام 2015 تم إختيار 13 عضو مسلم لمجلس العموم.
محمد ساروار أول عضو مسلم في مجلس العموم
أقدم مخطوطة من القرآن
في 21 تموز/يوليو عام 2015 أعلنت جامعة برمنجهام أن الفحص بالكربون المشع على مخطوطتين للقرآن الكريم أثبت أن تاريخ كتابتهما يعود لعام 645 م على الأقل إن لم تكن أقدم. وقبعت المخطوطتان في مكتبة الجامعة لحوالي قرن من الزمان، قبل أن يجرى أحد الباحثين إختبار الكربون المشع لتحديد زمن كتابتها. ويثبت هذا الاكتشاف ما يعتقده المسلمون بأن القرآن الكريم بدأ تدوينه أثناء حياة الرسول (ص) حتى تم جمعه ونسخه بعد وفاته في زمن الخليفتين أبي بكر وعثمان بن عفّان.
مخطوطة من القرآن الكريم في مكتبة جامعة برمنجهام تعود لعام 645 م