الوقت- على الرغم من أن المعارك تُحسم بنتائجها، فإن مسار المعركة قد يُثبت نجاح طرفٍ ما في تحقيق الإنتصار قبل وقوعه. وهذا الأمر الذي يمكن وصفه أو إطلاقه على معركة حلب، والتي يبدو واضحاً فيها تقدم الجيش السوري وحلفاؤه في الميدان نحو حسم المعركة. لنقول أن حلب باتت قاب قوسين أو أدنى من النصر الحتمي. وهو ما سنُعززه بالأدلة والبراهين. فيما تعيش أمريكا الخيبة من الآن، أمام معركة وضعت فيها بعض آمالها لا سيما لجهة دعم سياستها الدولية على أعتاب انتخابات أمريكية فريدة. لكن الواقع يقول أن أمريكا لم تنجح في تحقيق ذلك. فيما ستنضم معركة حلب لملاحم الإعتزاز الذي سطرها أبطال الجيش السوري وحلفاؤه. فماذا في حقيقة الإنتصار الحتمي في حلب؟ وكيف يمكن إثبات ذلك بالدلائل والبراهين؟
حلب نحو الحسم العسكري لصالح سوريا وحلفائها
عدة دلائل سياسية وميدانية، يمكن أن تدعم نجاح الخيار العسكري في حلب، وتُثبت متانة وصلابة الجيش السوري وحلفائه في المعركة. الأمر الذي يمكن الإستدلال عليه من خلال التالي:
أولاً: يبدو واضحاً بأن ما يجري هو الإعداد لمعارك كبيرة والمضي بالخيار العسكري، على الرغم من الترويج لمبادرات الهدنة والتي تقودها روسيا منذ ثلاثة أسابيع. حيث أن الميدان ما يزال یحكم، وهو ما يمكن أن يُثبته سلوك الأطراف على الأرض. خصوصاً أن الدبلوماسية لم تستطع منع خرق الهدنة أو التوصل لما يُرضي الأطراف. مما يعني أن الحل العسكري هو البارز حتى الآن.
ثانياً: يدعم هذا الموضوع ما تؤكده المصادر العسكرية الخاصة والتي أشارت الى أن الجيش السوري يمضي قُدماً في تعزيز نقاطه على محاور مدينة حلب الغربية بعد أن أفشل المرحلتين الأولى والثانية من هجوم مجموعات ما يُسمى بـ "جيش الفتح". وهو الآن يسعى لتعزيز وضعه في الجنوب، على المحور المُتاخم لمنطقة "الكليات"، عبر التقدم نحو "تل مؤتة" جنوب غرب المنطقة مستخدماً الأسلحة الصاروخية والقوات المدفعية لدعم الهجوم.
ثالثاً: إن مسألة الهدنة هي ما تسعى له الدوائر الغربية لأسبابٍ باتت معروفة، تتعلق بمحاولة إعادة الحياة للمجموعات الإرهابية عبر دعمها. فيما يسعى الجيش السوري وحلفاءه لحسم المعركة عسكرياً، لأسباب تتمحور حول عدم إكتراثه بنتائج المعركة طالما أنه بات على حافة النصر. وهو الأمر الذي عزَّزته التطورات الميدانية التي صاغها التعاون العسكري بين الحلفاء لا سيما روسيا وإيران والجيش السوري وحزب الله.
رابعاً: أثبتت المجموعات الإرهابية عدم التزامها بأي هدنة بل القيام باستغلالها بما يخدم الترويج لمكاسب لا تُؤثر في الميدان السوري. وهو ما حصل بالإمس عبر استهداف المجموعات الإرهابية للمعابر مما أدى لسقوط جرحى مدنيين الى جانب إصابة مراسليين صحفيين كمراسل قناة "الإخبارية السورية" الذي أُصيب نتيجة قصف معبر الكاستيلو. وهو الأمر الذي لم يعد يرضى به الجيش السوري وحلفاؤه حيث يقع المدنيون ضحية أعمال الإرهابيين مما يحتم ضرورة الإمساك بالميدان.
خامساً: ليس صحيحاً ما يتم تناقله عبر المواقع أو وسائل الإعلام الغربية وبعض العربية عن وجود سعي روسيٍ لفرض الهدنة. وهو ما يُثبته كلام وزير الدفاع "سيرغي شوايغو"، والذي أعلن بوضوح أن احتمالات البدء بتسوية سياسية أُرجئت إلى أجل غير مسمى خصوصاً مع اقتراب مجموعة السفن الروسية من الوصول إلى سواحل شرق المتوسط. مما يعني أن التوجه الروسي يدعم الخيار العسكري.
كيف سقطت الاستراتيجية الأمريكية في حلب؟
سعت أمريكا لفرض سياستها في حلب عبر الترويج أو العمل على تحقيق للتالي:
أولاً: سعت واشنطن لإبرام اتفاق هدنة مع روسيا حول حلب، يهدف في الحقيقة لفك الحصار عن المسلحين، مع الترويج لضرورة ذلك من خلال رفع شعارات حقوق الإنسان في حلب بمشاركة الأمم المتحدة بهدف توجيه الرأي العام لتصديق الأخبار القائلة بأن كارثة إنسانية تقع في حلب بسبب العمليات العسكرية للجيش السوري والحلفاء.
ثانياً: سقطت سياسة أمريكا حيث فشلت في كسب أي ود روسي، خصوصاً بعد أن أيقنت روسيا خداع أمريكا فيما يخص المساعدات الدولية والهدنة السياسية. وهو ما دفع واشنطن للضغط عبر أوراق خارج الميدان السوري، عبر التهديد بتدخل قوات الأطلسي عسكرياً ومن خلال تركيا. فيما كان ذلك أول دليلٍ على سقوط قوة أمريكا وحلفائها من المجموعات الإرهابية التنفيذية في الميدان السوري وتحديداً حلب.
ثالثاً: سعت واشنطن لتوجيه الأنظار الى خارج حلب، عبر الترويج لعزل الرقة والتعاون مع تركيا للحشد نحو منطقة الباب، لأهداف دعائية وعسكرية. فيما ظن الأمريكييون أنهم من خلال ذلك سيدفعون الجيش السوري الموجود على بُعد 6 كلم من المدينة بالإستدارة اليها شمالاً وتوقيف عملياته في حلب. وهو ما يدل أيضاً على أن واشنطن لم تعد تمتلك أوراق مؤثرة في ميدان حلب.
سوريا وحلفاؤها أسقطوا المؤامرة
عدة خطوات قامت بها سوريا وحلفاؤها أدت الى النجاح في التقدم في الخيار العسكري ومنع المؤامرة الأمريكية الدولية على حلب:
أولاً: سعت سوريا وحلفاؤها الى سحب الذرائع من الأمريكي. فصدر إعلان هدنة حلب من جانب واحد. فيما أعلن مكتب رئيس الجمهورية السورية بشار الأسد، تمديد العفو الرئاسي. الى جانب ذلك أوقف الجيشين السوري والروسي طلعاتهم الجوية وذلك إفساحاً بالمجال أمام المدنيين للخروج من أحيار حلب وتحديداً الشرقية منها. فيما استمرت عملية التطهير العسكري للمدينة من الإرهابيين دون الإستعانة بالسلاح الجوي.
ثانياً: جاءت ردة الفعل الأمريكية لتُبرز زيف ادعاءات واشنطن وخداعها، خصوصاً بعد أن أطلقت ما أسمته "ملحمة حلب" لكسر الحصار. وهو ما استكمله الإرهابيون بخطة عسكرية اعتمدت على عمليات تفجيرية كبيرة أدت لسقوط الكثير من الضحيا المدنيين. وهو ما رآه العالم بأسره، دون أن تحتاج سوريا وحلفاؤها لإثبات ذلك.
ما بيَّناه أعلاه، أدى لإظهار حقيقة نوايا الأطراف، حيث تبيَّن حجم الخداع الأمريكي والغربي، وصِدق توجهات سوريا وحلفائها. لكنه أبرز أيضاً حقيقة موازين القوة على الأرض، حيث أظهرت هذه السياسات متانة وقوة الجيس السوري وحلفائه وقدرته على الإمساك والتحكم بالميدان. فيما أكدت سياسة واشنطن افتقادها لغير الأدوات الإعلامية الترويجية، وعدم امتلاكها لأي ورقة قوة ميدانية.
إذن تقع حلب على بُعد وقت قصيرٍ من الإنتصار. فقد استطاعت سوريا وحلفاؤها، من نسج خارطة طريق تطمن الإنتصار الحتمي. خصوصاً أن التعاون العسكري بين سوريا وحلفائها، أدت لنتائج ميدانية صادمة للعالم. فيما استطاع التعاون السياسي الروسي الإيراني، منع أمريكا من تنفيذ أي خطة بديلة، بل سحب منها ذرائعها، وأوضح للعالم كذبها وكذب حلفائها. لنقول أن حلب باتت بحُكم المنتصرة. والتفكير الآن يبدأ بما بعد حلب.